أرقام ودلالات من ملحمة سيف القدس

بقلم الطاهر الهازل، مستشار بلدي، مدنين

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 31 ماي 2021

لا يمكن اختصار ملحمة سيف القدس في أرقام تقارن بين الخسائر في هذا المعسكر أو ذاك وكأننا أمام نتائج مقابلة رياضية، لكن الوقوف على أبرزها مفيد لاستخلاص بعض الدلالات والعبر خاصة أننا أمام ملحمة تاريخية بكل المقاييس.

كانت الحصيلة النهائية للعدوان على غزة على المستوى البشري سقوط 248 شهيدا بينهم 66 طفلا أحدهم عمره يوم واحد و39 سيدة و17 مسنا مع إصابة 1948 جريحا منهم 560 طفلا و80 سيدة و91 مسنا .وتعكس هذه الأرقام جبن الإجرام الصهيوني الذي استهدف رئيسيا أطفالا ونساء. وإذا عدنا إلى العدوان الصهيوني على غزة سنة 2014 والذي تواصل 51 يوما فقد سقط خلاله 2147 شهيدا و10.870 جريحا. هذا يعني أن تنامي قوة المقاومة خلال أحد عشر يوما في 2021 مكنها من حماية أبناء شعبها وحرم الصهيوني من الإيغال في دمائه.

أما على المستوى المعماري فقد  أدى العدوان على غزة إلى تدمير 6 أبراج سكنية و437 وحدة سكنية و 1041 منزلا بشكل كامل و768 منزلا بشكل بالغ مقابل إصابة 13500 وحدة سكنية بشكل جزئي مما أدى إلى نزوح قرابة 120 ألف ساكن إلى أماكن أخرى منهم 45 ألف تم إيواؤهم في مدارس وكالة غوث اللاجئين. كما أدى العدوان إلى استهداف 24 مؤسسة صحية و68 مدرسة و43 مسجدا منها ثلاثة تم هدمها بالكامل إضافة إلى كنيسة واحدة . وأدى العدوان الصهيوني في المجال الاقتصادي إلى ضرب 300 منشأة وصناعية وتجارية من بينها هدم سبعة مصانع وتدمير 31 محولا كهربائيا وقطع تسعة خطوط كهربائية. وهذا يدل أن العدو أراد عبر ضرب البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية ومختلف الخدمات الاجتماعية والثقافية معاقبة جموع الجماهير وممارسة ضغط معيشي عليها لتأليبها ضد قيادتها، لكن عدوانه وحقده زاد على العكس من ذلك في التفافها حول المقاومة.

وفي المجال العسكري أطلقت المقاومة في ملحمة”سيف القدس” 4070 صاروخا في حين لم تقدم رقما على قذائف الهاون لأن عددها لا يحصى مما يعكس التطور الكبير الذي أحرزته المقاومة بالاعتماد بدرجة رئيسية على تصنيع الأسلحة. ورغم تكتم العدو على خسائره البشرية في صفوف الجيش فإنه اعترف بسقوط اثني عشر قتيلا في صفوف المستوطنين و335 جريحا وهو ما يدحض ادعاءه النجاح في اعتراض صواريخ المقاومة. إلا أنه اعترف أن خسائره في هذه الحرب التي اقتصرت على أحد عشر يوما بلغت ضعف خسائره في حرب سنة 2014 التي امتدت على واحد وخمسين يوما.

واستعملت كنائب القسام عام 2001 أول صاروخ بمدى ثلاثة كيلومترات وفي عدوان 2008 /2009 طورت صواريخها إلى مسافة 17 كلم وإثر اغتيال القيادي الجعبري في 2012 ردت كتائب القسام بقصف تل أبيب والقدس بصواريخ بمدى 80 كلم وفي 2014 وصلت الصواريخ إلى حيفا بمدى 160 كلم. أما في معركة سيف القدس فقد أطلقت المقاومة صواريخ يبلغ مداها 250 كلم أي أن تأثير المقاومة أصبح يغطي كامل فلسطين مما يجعل أية معركة مقبلة تطال كل مواقع العدو لتتشابك مع صواريخ حزب الله الذي بإمكانه أن يصل إلى إيلات دون الحديث عن مئات آلاف الصواريخ في سوريا وإيران .

وفي المجال الاقتصادي يواصل الكيان المحتل التكتم على خسائره الاقتصادية إلا أنه اعترف أنها بلغت ضعف خسائره في حرب 2014 حيث بلغت آنذاك 0.3 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي بينما ارتفعت هذه المرة إلى 0.5 منه. ولا يشمل هذا الإحصاء المباني العامة والطرق والمطارات. وخسرت سوق المال والبورصة الصهيونية هذه الأيام 28% وتوقفت 30% من المصانع والورش في مستوطنات غلاف غزة بشكل كلي و17% في باقي جنوب فلسطين ومنطقة تل أبيب. كما تعطلت الدراسة في 70% من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية، أي أن نزيف العدو ضخم لولا الحقنات التي يتلقاها من الدول الاستعمارية.

إن في هذه الأرقام عدة دلالات من أهمها أن الكيان الصهيوني ليس بمثل القوة العسكرية التي يقدمونها وأن المقاومة قادرة رغم محدودية الإمكانيات والحصار على دكه فما بالك لو التفت حولها كل القوى الوطنية العربية سياسيا وعسكريا واقتصاديا حتى تتحرر فلسطين بالكامل.

أرقام ودلالات من ملحمة سيف القدس
أنشره
الموسومة على: