
صوت الوطن – العدد (82) : 26 أكتوبر 2024
تعمّقت الأزمة التي يمر بها الاتحاد العام التونسي للشغل أكثر فأكثر وتواصلت الخلافات بعد انعقاد مجلسه الوطني في شهر سبتمبر الماضي. وفي المقابل تتقدم الدولة في طي صفحة العشرية السوداء وفي إعادة بناء مؤسّساتها وتسعى جاهدة لرفع التحديات في ظل محيط عالمي وعربي ما انفك يشهد تطورات عميقة ومتسارعة.
ظاهر الأزمة وباطنها
يُحمِّل بعض النقابيين أزمة الاتحاد إلى السلطة وإلى الرئيس قيس سعيّد تحديدا بدعوى ضرب الحق النقابي وغلق باب الحوار. والحقيقة أن الاتحاد الذي أعلن في البداية دعمه لمسار 25 جويلية لم يلبث أن تراجع واختار ما سماه خطا ثالثا. فقد تزعَّم ما سُمِّـي بمبادرة إنقاذ قَدَّمَت نفسها بديلا للسلطة الشرعية القائمة ثم دعا الأمين العام إلى إطلاق سراح “مساجين المرناقية”. وعلاوة على ذلك لم يعترف الاتحاد بدستور 2022 وقاطع الانتخابات التشريعية والمحلية والرئاسية وتجاهل أكثر من مرة المواقف الوطنية والإجراءات الاجتماعية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد والتي كان الاتحاد نفسه يطالب بها. وكان صوت الاتحاد خافتا في دعم طوفان الأقصى ولم يقطع مع المنظمات النقابية الأجنبية والدولية التي انحازت إلى الكيان الصهيوني.
أي مفهوم للاستقلالية؟
يبرّر بعض النقابيين معاداتهم لسلطة 25 جويلية بمبدأ استقلالية العمل النقابي متجاهلين خصوصية العمل النقابي في البلدان التي تخوض حرب تحرير وطني مثل تونس والتي لا ينفصل فيها النضال الاجتماعي عن النضال الوطني. وعلى سبيل المثال فإن رفض الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ورفض تعليماته وشروطه التي تضرب الحقوق الاجتماعية موقف وطني اتخذه الرئيس قيس سعيّد لا يمكن لأي كان تجاهله أو إنكاره أو المزايدة عليه.كما يبرّر نقابيون آخرون معاداتهم لمسار 25 جويلية بأن الاتحاد كان دائما ضد السلطة وهي مغالطة تاريخية كبيرة ذلك أن الاتحاد كان في بداية تأسيس الدولة الوطنية في صلب مؤسّساتها وكانت له خمس حقائب وزارية في أول حكومة بعد الاستقلال وهي الحكومة التي اعتمدت على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد. أما في الفترات الموالية فقد قام الاتحاد بدوره النقابي والوطني دون أن يصل به الأمر إلى التصرف كحزب سياسي معارض أو كبديل للسلطة.
العودة إلى الثوابت
على النقابيين اليوم الوعي بطبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا وبالتحديات التي تواجه شعبنا والعودة بالاتحاد إلى الثوابت التي تأسس عليها على يدي الزعيم الوطني فرحات حشاد ومن قبله محمد علي الحامي مؤسّس ”جامعة عموم العملة التونسيين” والتي واصل على نهجهما أحمد التليلي والحبيب عاشور وغيرهما وتقديم الأهم على المهم دون أن يعني ذلك التنازل عن مطالب الشغالين. وعليه فإن معركة “كسر العظام” لا يمكن أن تكون مع الرئيس الوطني قيس سعيّد بل مع القوى الأجنبية والصهيونية.