
بقلم د. بدر السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 6 سبتمبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”
ما انفكت أنظمة تقاعد أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب والولاة أو ما يسمى بالأنظمة الخاصة تثير استنكار الرأي العام بالنظر إلى سخائها مقارنة ببقية أنظمة التقاعد وبسبب دخولها منذ أكثر من ثلاثة عقود في عجز مالي. وتتمثل الامتيازات التي تجمع بين هذه الأنظمة في الشروط اليسيرة لاكتساب الحق في جراية مقارنة بنظام تقاعد أعوان القطاع العمومي. ففي حين يشترط على العون العمومي أقدمية ب 15 سنة من الخدمات الفعلية فإن أعضاء الحكومة من وزراء وكتاب دولة يلزمهم سنتان اثنتان فقط. أما بالنسبة لعضو مجلس نواب الشعب فتكفيه دورة نيابية واحدة أي خمس سنوات أو سنتان من دورة نيابية. ويشترط على الوالي سنتان على أن تكونا متتاليتين.
وفيما يتعلق بالحد الأقصى لمبلغ الجراية والمحدد ب 90 بالمائة من آخر مرتب فإن العون العمومي لا يستطيع بلوغه إلا بعد قضاء 40 سنة بينما يبلغه عضو الحكومة بعد سبع سنوات وستة أشهر فقط والنائب بعد قضاء ثلاث دورات والوالي بعد 15 سنة. كما أن التمتع بالجراية لا يتم عند بلوغ السن القانونية مثلما هو الأمر بالنسبة للعون العمومي بل عندما يتوقف صرف المرتب لعضو الحكومة أو الوالي وعندما تنتهي المدة النيابية للنائب. وإذا تم تعيين أحد هؤلاء في خطة عمومية أو ثبت أنه يمارس نشاطا مهنيا بأجر يمكن له التمتع بالجراية عند بلوغ سن الخمسين .
أما عن وضع التوازنات المالية لهذه الأنظمة فقد كانت تشكو منذ بعثها في الثمانينات من القرن الماضي عجزا بقي يتحمله الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية حيث أن المداخيل المتأتية من مساهمات العون والمشغل لا تغطي النفقات بعنوان الجرايات. ومنذ سنة 2002 أصبحت ميزانية الدولة تتكفل سنويا بتغطية عجز هذه الأنظمة. وعلى سبيل المثال بلغت جملة الجرايات بعنوان سنة 2020 ما يناهز 21 مليون دينارا لم تمول مساهمات النشطين منها سوى أربعة ملايين دينار مما تطلب دعما من ميزانية الدولة بقيمة تناهز 17 مليون دينارا لفائدة 1305 منتفعا موزعين بين 1011 متقاعدين و 294 أرامل.
وحيث أن الدولة هي التي تتكفل بتسديد هذا الفارق إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية فإن المواطن هو الذي يمول ما يناهز 80 بالمائة من الكلفة الجملية لجرايات أعضاء الحكومة والنواب والولاة بالإضافة الى تحمل الدولة مساهمتها في نظام التقاعد لفائدة المباشرين بنسبة 20,50 بالمائة من مرتب عضو الحكومة أو مرتب الوالي أو من المنحة البرلمانية في حين لا تبلغ مساهمتها في نظام تقاعد العون العمومي سوى 14,50 بالمائة من مرتبه .
إنه لا مجال أن يتواصل صرف جزء من ميزانية الدولة على فئة من الشعب دون غيرها ليس فقط من منطلق مبدأ المساوة بين المواطنين بل بالنظر إلى الوضع المالي الكارثي لهذه الأنظمة في علاقة بعدم الاستقرار السياسي خلال العشرية الأخيرة وما نتج عنه من تضخم في عدد أعضاء الحكومة والولاة فضلا على الانحطاط السياسي لأغلب أعضاء المجلس النيابي. والغريب أن لا أحد من النواب أو من أعضاء الحكومة ممن يدعي الدفاع عن الشعب أو ممن يزعم تبني قضايا العمال أو ممن يزايد بمقاومة الفساد طالب بمراجعة هذه الأنظمة. لذلك فإن الفرصة مناسبة بعد منعرج 25ٍ جويلية 2021 ” لإحالة هذه الأنظمة على التقاعد ” وتعويضها بقانون مارس 1985 المتعلق بنظام جرايات الأعوان العموميين وقانون جانفي 2003 المتعلق بتسوية حقوق الأشخاص المنتفعين بتغطية عدة أنظمة قانونية للتأمين على الشيخوخة والعجز والوفاة. وبذلك ينتفع أعضاء الحكومة والنواب والولاة بالتقاعد على غرار بقية أبناء الشعب إذا كانوا فعلا صادقين في قولهم أنهم تحملوا المسؤولية لخدمة الشعب.