بقلم: د. بدر السماوي:جريدة الشعب – 28 ديسمبر 2023

كثر الحديث خلال السنوات الماضية على إدماج القطاع غير المنظم في الدورة الاقتصادية وتمكينه من الانتفاع من التغطية الاجتماعية وتعددت التشريعات المدرجة في نفس السياق خاصة بعد أن اتسع حجم هذا القطاع وتجلت أضراره الاقتصادية والجبائية والاجتماعية. وقد برزت في هذا الصدد مفارقة غريبة تمثلت في إصدار نصوص تشريعية تحت عنوان إدماج القطاع غير المنظم مع بقائها دون تنفيذ رغم مرور عدة سنوات على صدورها.

القطاع غير القار

تضمن قانون المالية لسنة 2019 إجراءات تهدف إلى إدماج أصحاب الدخل غير القار على الانخراط في المنظومة الجبائية وفي منظومة الضمان الاجتماعي عبر تشجيع صغار المستغلين من ذوي الدخل غير القار الذين ليست لهم مقرات مخصصة لممارسة نشاطهم والذين يمارسون أنشطة الحرف الصغرى والصناعات التقليدية وكذلك التجار المتجولين دون إيداعهم تصريحا في الوجود. ففي صورة إيداعهم للتصريح بصفة تلقائية يتم إفرادهم بنظام خاص لمدة ثلاث سنوات يعتمد على دفع مساهمة واحدة كل ثلاثة أشهر تتضمن كلا من الضريبة على الدخل والمساهمات الاجتماعية. وقد وقع تصنيف هؤلاء ضمن الشريحة الأولى من نظام الضمان الاجتماعي الخاص بالعملة غير الأجراء في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي ومطالبتهم في مرحلة أولى بدفع اشتراكات التأمين على المرض بما يناهز 90 دينارا في الثلاثة أشهر وتأجيل دفع اشتراكات الجرايات إلى ما بعد ثلاث سنوات والتي تتجاوز بقليل 100 دينارا كل ثلاثة أشهر.

ورغم ضبط إجراءات تطبيق ما جاء به قانون المالية لسنة 2019 عبر أمر حكومي صدر في جانفي 2020 لم تشهد هذه المنظومة إقبالا على الانخراط. وقد يعود ذلك إلى أن الإجراءات المتعلقة بالتغطية الاجتماعية لم تكن محفزة إذ أن المنخرط مدعو إلى دفع مساهماته في نظام التأمين على المرض كاملة بينما لا ينتفع إلا بخدمات المنظومة العلاجية العمومية. ثم إن بطاقة العلاج يتم تجديدها كل ثلاث أشهر أي تبعا لدفع المساهمات بما يرهق المنخرط في اللهث وراء مصالح الصندوق الوطني للتأمين على المرض. وقد يعود السبب أيضا إلى ضعف التعريف بهذه المنظومة.

المبادر الذاتي

صدر مرسوم رئيس الحكومة المؤرخ في جوان 2020 بهدف تشجيع الناشطين في الاقتصاد غير المنظم على الانخراط في النظام الجبائي وفي منظومة الضمان الاجتماعي. وقد وقع تعريف المبادر الذاتي بأنه كل شخص طبيعي تونسي الجنسية يمارس بصفة فردية نشاطا في قطاع الصناعة أو الصناعات التقليدية أو الحرف أو التجارة أو الخدمات من غير المهن غير التجارية على ألا يتجاوز رقم معاملاته السنوي 75 ألف دينار. وتضمن المرسوم آليتين اثنتين للإدماج اهتمت أولاهما بالجباية حيث مكّنت المبادر الذاتي من دفع مساهمة وحيدة مبلغها 200 دينار سنويا بالنسبة إلى الناشطين داخل المناطق البلدية و100 دينار سنويا بالنسبة إلى الناشطين بالمناطق الأخرى. أما الآلية الثانية والمتعلقة بالضمان الاجتماعي فقد ألحقت المبادر الذاتي بنظام محدودي الدخل بالنسبة لمن يمارس الأنشطة الحرفية والصناعات التقليدية بما يتطلب دفع مبلغ 66 دينارا ونيفا كل ثلاثة أشهر وألحقته بنظام العملة غير الأجراء وتحديدا في الشريحة الأولى بالنسبة لبقية الأنشطة والتي يبلغ الاشتراك المناسب لها ما يناهز 195 دينارا كل ثلاثة أشهر. وفيما يتعلق بالمنافع الاجتماعية فهي شبيهة بتلك الواردة في القانون المذكور أعلاه وخاصة ما يتعلق بتجديد بطاقة العلاج كل ثلاثة أشهر تبعا لخلاص الاشتراكات. وقد يعود الشلل الذي أصاب هذه المنظومة رغم مراجعة بعض إجراءاتها في قانون المالية لسنة 2023 إلى عدم إصدار أوامرها الترتيبية.

أية آفاق

لم يقدم قانون المالية للسنة القادمة أية إضافة فيما يتعلق بإدماج القطاع غير المنظم رغم وجود عنوان يحمل اسم ” مقاومة التهرب الجبائي وإدماج القطاع الموازي” الذي لم يعكس محتوى الفصل اليتيم الذي تلاه والمتعلق بالامتياز الممنوح بعنوان تسجيل اقتناءات الأراضي قصد بناء عقارات فردية معدة للسكن وهو إجراء يصح على التهرب الجبائي ولا علاقة له بإدماج القطاع الموازي.

إن المطلوب بصفة عاجلة التسريع في تنفيذ التشريعات الموجودة عبر إصدار نصوصها الترتيبية والقيام بحملة إعلامية أو مراجعة التشريعات إذا ما ثبت قصورها على استيعاب القطاع غير المنظم. أما بصفة آجلة فلا بد من إعداد تصور شامل يؤدي إلى الانتقال من القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم اعتمادا على توصية منظمة العمل الدولية عدد 204 لسنة 2015 التي أكدت على ضرورة ” تصميم استراتيجيات متسقة ومتكاملة” وبالاستئناس ببعض التجارب المقارنة التي تتشابه أوضاعها الاقتصادية مع بلادنا على أن يكون هدف شمولية الحماية الاجتماعية أولوية الأولويات.

إدماج القطاع غير المنظم: تشريعاتٌ ” مع تأجيل التنفيذ”
أنشره