
صوت الوطن : العدد 64 – 30 أفريل 2023
ستشهد بلادنا خلال الفترة القادمة فتح نقاش شعبي واسع حول ملف إصلاح منظومة التربية والتعليم الذي لا يقل أهمية على الملفين السياسي والاقتصادي. ونظرا لأهمية الموضوع ولشكل تناوله بصفة واسعة فهو يمثل فرصة للعمل على الدفع في اتجاه ترويج قيم الوطنية وإعلاء مكانة العلم وإعادة الثقة للمتعلمين والاعتبار.
لمـــاذا الإصـــلاح؟
تعيش المنظومة التربوية أسوأ حالاتها حيث أثبت الدراسات والتشخيص وَهَن مختلف مكوناتها سواء في مستوى المناهج التعليمية وجودة الإطارات التربوية أو في مستوى الفوارق الاجتماعية والجغرافية مثل الوسط الريفي والوسط الحضري مما أدى إلى بروز فجوات في النتائج الدراسية والتحصيل المعرفي. وتجلّى هذا الضعف بفقدان المدرسة لدورها التربوي والقيمي وبروز ظواهر اجتماعية مستجدة كالعنف وتعاطي المخدرات والانقطاع المدرسي في ظلّ بنية أساسية مهترئة. وبينت عديد الدراسات والتجارب الدولية الناجحة أن الاعتماد على تنمية الرأسمال البشري وتكوين أجيال المستقبل وفق منظومة تعليمية وتكوينية تتلاءم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والموروث التاريخي والحضاري والتقدم العلمي هو أساس تنمية المجتمعات والأفراد وضمان سيادة الدول.
تقييم الإصلاحات السابقة
عاشت بلادنا ثلاث تجارب إصلاحية اختلفت في توقيتها وفي مضمونها. فلئن أتى قانون سنة 1958 ليؤسس لمنظومة تعليمية وطنية تتجه لنشر التعليم ولرفع الأمية واعتبار التعليم إجباريا ومجانيا، فقد أتى مشروع سنة 1991 ليقوِّض بعض ما تم بناؤه وليفصل منظومة التكوين المهني عن المسار التعليمي. أما التجربة الإصلاحية الثالثة فقد كانت بناء على القانون التوجيهي لسنة 2002 الذي أدخل السنة التحضيرية صلب المنظومة التربوية دون إقرار إجباريتها ومجانيتها وأحدث هيكلة تعليمية جديدة تخص التعليم الأساسي بمرحلتيه الأولى والثانية والتعليم الثانوي.
نتائج سلبية
أدت هذه الإصلاحات إلى فسح المجال أمام التعليم الخاص دون ضوابط واضحة وبقيت المدرسة تبحث عن جذورها الحضارية والوطنية في ظل سياق العولمة. كما أن سلطة الربيع العبري التي حكمت بلادنا خلال العشرية الفارطة تصدت لكل محاولات الإصلاح التربوي الجذرية بل ساهمت في إضعاف التعليم العمومي وبروز التعليم الداعشي الموازي مثل مدرسة الرقاب.
كـيـــف الإصـــلاح؟
تفطن الحراك الوطني لــ 25 جويلية لأهمية التعليم حيث نص الدستور علاوة على الحقوق الأساسية على الحق في التعليم (الفصل 44) وإلزاميته وإجباريته إلى سن السادسة عشرة. كما أكد على دور الدولة في تحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين وتأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها والانفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية ونشر ثقافة حقوق الانسان. وبذلك رسم الأسس التي تنبني عليه المنظومة التربوية والتكوينية بمختلف مكوناتها. وتأكد الدور الجوهري لهذه المنظومة في بناء أجيال المستقبل لتخوض معركة الكرامة والتنمية في التنصيص بالفصل 135 من الدستور في منحى تجديدي على إحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم يتولى “إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل”. وستشرع الحكومة خلال الفترة القادمة في تنظيم استشارة واسعة باعتبار أن التعليم شأن وطني ويجب أن تكون مخرجاتها ركنا أساسيا لعملية الإصلاح التربوي.
وعلينا أن نشارك في هذه الاستشارة في مختلف مستوياتها وفي مختلف المواقع وتبنيها على غرار الاستشارة الألكترونية حول الدستور كي نكرس التوجه الوطني لإصلاح التعليم في مختلف جوانبه المتصلة بالتوجهات الوطنية العامة المرتكزة على المحافظة على المدرسة العمومية ومضامين البرامج والمناهج والتعريب. كما تتجه نحو مراجعة نظام التقييم والامتحانات الوطنية والتعليم النموذجي والتعليم الخاص والتكوين المهني والتعليم العالي والتوجيه المدرسي ومكانة الفنون في البرامج والزمن المدرسي.
وسيتم العمل على مزيد الإحاطة بالطفل بتنشيط الحياة المدرسية لممارسة أنشطة ثقافية وفنية ورياضية لتيسير الاندماج الاجتماعي ولمجابهة الظواهر السلوكية المحفوفة بالمخاطر (العنف المدرسي والانحدار القيمي وتعاطي التدخين والمخدرات..) في إطار مقاربة شاملة تنخرط فيها كل مكونات المنظومة التربوية مع مد جسور الحوار مع المحيط الأسري. كما سيشمل الاصلاح مؤسسات الطفولة المبكرة كرياض الأطفال والكتاتيب والسنة التحضيرية المهد الأول لتربية النشء.