الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام: وامعصتماه!

” كانوا سبعة رجال… تسابقوا على الموت… أقدامهم عليت فوق رقبة الجلاد… وصاروا مَثل يا خال … في طول وعرض البلاد” هذا الموال من التراث الفلسطيني يوصّف إضراب الجوع المتواصل لكتيبة من الأسرى الفلسطينيين يعانون قهر قوات الاحتلال في السجون الصهيونية البشعة. ففي الخامس من نوفمبر 2021 يكون الأسير كايد الفسفوس دخل 115 يوما من إضراب الجوع ومقداد القواسمة 108 يوما وعلاء الأعرج 90 يوماً وهشام أبو هواش 81 يوما وعياد الهريمي 45 يوما ولؤي الأشقر 27 يوما. ويتضامن معهم الأسير راتب حريبات 29 يوماً.
ولئن كانت فلسطين أبشع مظلمة في التاريخ فإن مظلمة الأسرى أبشع مظلمة داخل هذه المظلمة. أما مظلمة الأسرى المضربين عن الطعام فهي أفدح المظالم حيث يموت هؤلاء ببطء أمام أنظار العالم ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وذلك رفضا للاعتقال الإداري الذي يعني الحبس دون محاكمة ولا يخضع لأي قانون إلا قانون الاحتلال والقهر ومصادرة الحرية والحرمان من الحق في الحياة وهي إحدى الأدوات التي يستعملها العدو الصهيوني لفرض سيطرته على فلسطين. وتفيد آخر الإحصائيات أن السجون الصهيونية وعددها 23 يقبع بها 4650 أسيرا بينهم 43 سيدة و225 طفلا. ومن بين الأسرى 500 يعانون من أمراض مختلفة بينهم عشرات ذوو إعاقة أو مصابون بالسرطان، ومنهم 543 معتقلا محكومون بالمؤبد يتزعمهم عبد الله البرغوثي ذو أعلى محكومية وصلت إلى 67 مؤبدا، ومن بين هؤلاء الأسرى 34 معتقلا يقبعون في السجن لأكثر من ربع قرن يقودهم كريم يونس عميد الأسرى الفلسطينيين بــ 38 عاما سجنا.
لقد ظن الكيان الصهيوني أن غياهب سجونه ستكسر إرادة المقاومة وستفصل الأبطال عن شعبهم ليسهل مواصلة تنفيذ المشروع الصهيوني واستكمال ابتلاع الأرض وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا وطمس كل معالم الحضارة العربية الإسلامية، إلا أنه جوبه بمعركة ضروس أخرى شنتها ضده حركة أسيرة واجهت التعذيب والتنكيل بالصمود والصبر وحوّلت مصادرة مقومات الحياة إلى وحدة متراصة وجيش مقاوم يخوض حرب استنزاف يومية. ومن مظاهر هذه المقاومة العنيدة حالات التمرد على قرارات السجان التي انتقلت إلى مرحلة الاشتباك وشن إضرابات الجوع العامة والجزئية، مستلهمة من نضالات الأسرى الذين بلغ عددهم منذ سنة 1948 مليون أسير سقط منهم 226 شهيدا داخل السجون الصهيونية. وقد مثل هروب ستة أسرى من سجن جلبوع الأكثر تحصينا ومراقبة الكترونية آخر تحد قام به الأسرى الفلسطينيون. ورغم تمكن العدو من إعادة اعتقالهم بعد بضعة أيام فإن عملية الهروب هذه التي ليست الأولى من نوعها مرّغت أنف الكيان المحتل في التراب وزادت من كشف هشاشته بعد فشله في ملحمة سيف القدس. ومما يؤكد الإرباك الذي اعترى العدو رده الوحشي على الأسرى العزل حيث شن حملة شرسة عليهم في كافة السجون وخاصة أسرى حركة الجهاد الإسلامي الذين تحدوا الجلاد وخاضوا إضرابا عاما للجوع أجبر العدو على التراجع على كافة إجراءاته القمعية كالعزل ومنع الزيارة ومصادرة الأمتعة.
ومثلما صرخت تلك المرأة العربية مستنجدة بالخليفة المعتصم بالله وهي أسيرة لدى الروم ” وامعتصماه ” فإن أسرانا يصرخون اليوم مناشدين كل ضمير حي وكل وطني شريف أن يرفع صوته لنصرتهم بما استطاع، سواء بالاحتجاجات أو بالتظاهرات أو بأضعف الإيمان لوقف الجرائم البشعة التي ما انفكت ترتكبها العصابات الصهيونية يوميا والتي تسجل تصاعدا في الغطرسة يشجعها عليها تطبيع بعض الأنظمة العربية. أما التعلل بالصعوبات الاقتصادية أو التذرع بالمشاكل الاجتماعية فلا يبرران السكوت على هذه المظالم فالحق واحد سواء في تونس أو في فلسطين والساكت عن الحق شيطان أخرس. 

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 4-11-2021 ضمن الركن الأسبوعي “نافذة على الوطن”

بقلم د. بدر السماوي

الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام: وامعصتماه!
أنشره