صوت الوطن – العدد (73) – جانفي 2024

لا يمكن الإنكار أن نسبة المشاركة في الدورة الأولى للانتخابات المحلية التي جرت يوم 24 ديسمبر 2023 كانت ضعيفة حيث بلغت ما بين 11 و12 %. ولهذه الظاهرة أسباب من أهمها فقدان ثقة الشعب في مؤسسة البرلمان التي كانت صورية قبل 2011، ومرتعا للفوضى والفساد بعد 2011. كما أن المجالس المحلية وما سيليها من مجالس جهوية وأقاليم ومجلس وطني للجهات والأقاليم تجربة جديدة لم تتضح بعد مميّزاتها واختلاف مهامها مع مهام المجالس البلدية بل إن النصوص التشريعية المنظمة لعمل المجلس الوطني للجهات والأقاليم وعلاقته بمجلس نواب الشعب لم تصدر بعدُ. ومن ناحية أخرى فقد ألقت ظروف العيش اليومية الصعبة لعموم الشعب بظلالها على نسبة الترشح والتصويت خاصة في صفوف الشباب العاطل عن العمل وضحايا التشغيل الهش. 

لكن هذه النقاط السلبية لا يمكن أن تحجب إبراز بعض الملاحظات الإيجابية الملفتة للانتباه وفي مقدمتها التفاوت في نسب المشاركة بين الجهات حيث أنها كانت مرتفعة بامتياز في المناطق الداخلية وفي الأرياف بشكل خاص فتجاوزت 20 % في ولايات زغوان وسليانة والقصرين وسيدي بوزيد، في حين تدنت في المدن وخاصة في تونس الكبرى التي سجلت أضعف نسبة. ويفسر هذا بالطابع المحلي للانتخابات التي تنطلق من العمادات وارتباطها بالتنمية وهي أكثر المناطق التي عانت على امتداد عقود من الإهمال، لذلك فإن سكان المناطق الداخلية يعوّلون أكثر من غيرهم على هذا النمط الجديد لإيمانهم بأن أصواتهم ستكون مسموعة أكثر من ذي قبل وسعيا لتدارك الفجوة واستقطاب عناصر التنمية المختلفة.

وفي انتظار اكتمال الدورة الانتخابية الثانية لهذه المجالس وتنصيبها وبصرف النظر عن المؤاخذات المسجلة فان إنجازها يشكل احتراما لمقتضيات الدستور ومدخلا موثوقا إلى الانتخابات الرئاسية التي ستجري أواخر سنة 2024 التي ستشكل عنوانا أساسيا في مواصلة الفرز السياسي ، وفي رسم وجه تونس لعقود مقبلة.

الانتخابات المحلية في دورتها الأولى:خطوة أخرى على طريق استكمال مسار 25 جويلية
أنشره