التحول الرقمي لتطوير مؤسسات الضمان الاجتماعي

بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 2 جويلية 2022 – الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

كان ذلك عنوان الندوة القومية التي نظمتها الجمعية العربية للضمان الاجتماعي التابعة لمنظمة العمل العربية بالتعاون مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومكتب منظمة العمل الدولية بتونس يومي 28 و29 جوان 2022 بتونس وشارك فيها خبراء ومسؤولون عن مؤسسات الضمان الاجتماعي وعن الوزارات ذات الصلة من سلطنة عمان والبحرين والعراق والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والجزائر وموريتانيا وتونس. وقد نالني شرف حضورها والاستفادة من أشغالها مما دفعني إلى نقل أهم ما ورد فيها نظرا لما أصبحت تقوم به التكنولوجيا الحديثة من دور في تطوير مؤسسات الضمان الاجتماعي سواء على المستوى العالمي أو العربي. ورغم ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية في مجال التحول الرقمي فقد حصل إجماع لدى المشاركين أن جائحة الكوفيد 19 ساهمت بشكل كبير في التسريع فيه بما يحول دون التراجع عن المكاسب التي تحققت بل إن المطروح مزيد دفع الرقمنة من أجل تحقيق أسمى هدف وهو شمولية الحماية الاجتماعية التي ما زالت نسبة الاستفادة منها ضعيفة حيث أن 60 بالمائة من سكان الأقطار العربية ما زالوا محرومين من الحد الأدنى من منافعها وخدماتها.

وقد أكدت التدخلات الأكاديمية على أهمية صياغة استراتيجية للتحوّل الرقمي لمؤسسات الضمان الاجتماعي في البلدان العربية انطلاقا من تشخيص الوضع الراهن بعد تحديد الفجوة بين القدرات الرقمية الحالية وما يجب أن تكون عليه في المستقبل والعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال تخصيص الموارد اللازمة سواء كانت مالية أو بشرية ومراقبة تنفيذها والتقييم المستمر لنتائجها. فقد أصبح التحول الرقمي اليوم من الأهداف الاستراتيجية لمؤسسات الضمان الاجتماعي فهو عملية طويلة الأمد يجب أن تحظى بالاهتمام اللازم والمتابعة من قبل مجالس إداراتها. ولضمان نجاح التحول الرقمي لا بد من توفير شروط عديدة من أهمها ضخ استثمارات مهمة من حيث البنى التحتية وتشريك العاملين في مؤسسات الضمان الاجتماعي في هذا المسار لتأمين استمراريته. ويقتضي أيضا التنسيق الجيد والمحكم مع الأطراف التي يتم التعامل معها من خارج مؤسسة الضمان الاجتماعي لتيسير تبادل البيانات على أن يكون ذلك في إطار حسن استغلالها والمحافظة على المعطيات الشخصية التي تتضمنها.

وإلى جانب التدخلات الأكاديمية تم عرض بعض الممارسات الجيدة والحلول المبتكرة في مجال التحوّل الرقمي التي تم تطبيقها في مؤسسات الضمان الاجتماعي في المنطقة العربية والدولية. وقد تبين أن التحول الرقمي مكّن من اختصار الوقت وتحسين جودة الخدمات وتيسير الاتصال بالمؤسسة والضغط على النفقات الإدارية وضمان أكثر ما أمكن من الشفافية وتحسين منسوب الثقة بين الإدارة والمتعاملين معها. ومن بين مؤسسات الضمان الاجتماعي التي عرضت تجاربها وكانت فعلا متميزة الصناديق الاجتماعية الثلاثة في تونس والتي لا يتسع المجال هنا لعرض تفاصيلها.

ورغم ما برز من انخراط الوفود المشاركة بصفة جدية وناجعة في مجال التحول الرقمي إلا أن التجارب العربية عموما ما زالت تشهد تفاوتا من حيث حجمها حيث تنقسم إلى ثلاث مجموعات أولها بلدان حققت تقدما كبيرا في التحول الرقمي وثانيها حققت خطوات متوسطة وثالثها في حاجة إلى الكثير من التطوير. وتبين أيضا وجود تفاوت في الاهتمام بالموضوع من خلال ضعف عدد البلدان المشاركة الذي لم يتجاوز العشرة. واتضح أيضا وجود فوارق بين سكان البلد الواحد في الانتفاع بالربط بالشبكات المعلوماتية فضلا على جهل البعض كيفية استخدامها إن توفرت. لذلك فإن عمل مؤسسات الضمان الاجتماعي يجب أن يتركز في المستقبل على الحسم في جعل التحول الرقمي خيارا استراتيجيا ضمن رؤية عربية موحدة قادرة على سد الفجوة الرقمية وتجاوز وضعية البرامج المنفردة والخطط الارتجالية التي لا يمكن لها، مهما كانت حرفيتها أن تساهم في بلوغ الأهداف وفي مقدمتها هدف شمولية الحماية الاجتماعية لفائدة كافة السكان العرب.

التحول الرقمي لتطوير مؤسسات الضمان الاجتماعي
أنشره