بقلم د. بدر السماوي: جريدة الشعب – 21 ديسمبر 2023

يتمثل المطلب في الترفيع في الأجر الأدنى المهني المضمون لمختلف المهن والأجر الأدنى الفلاحي المضمون بسبب تدهور المقدرة الشرائية لفئات عديدة منها النشطون الذين يتقاضون أجورهم اعتمادا عليهما ومنها المتقاعدون الذين تحتسب جراياتهم على نفس الأساس. ومن الطبيعي حصول تدهور في المقدرة الشرائية باعتبار أن آخر ترفيع في الأجر الأدنى يعود إلى أكتوبر 2022 بما يعني أنه تجاوز السنة وهي فترة كافية لتصبح فيها الزيادة التي بلغت آنذاك 7 في المائة عقيمة بعد أن تجاوزتها نسبة التضخم في الفترة نفسها بنقطتين على الأقل، فضلا على أن سنتي 2017 و2021 لم تشهدا أي زيادة في الأجر الأدنى. لذلك فإن الضرر من عدم الترفيع في الأجر الأدنى اليوم يمس عدة فئات من ناحية وينعكس على منافع تسديها الصناديق الاجتماعية من ناحية أخرى.

وتتمثل الفئة الأولى في المنتفعين بجرايات من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين ترتبط مراجعة جراياتهم بمراجعة الأجر الأدنى المهني المضمون طبقا لما ينص عليه الأمر الصادر في 27 أفريل 1974 والمنقح بالأمر المؤرخ في 29 مارس 2001 والمتعلق بنظام جرايات الشيخوخة والعجز والباقين بعد الوفاة. وتضم هذه الفئة ما يناهز 900 ألف منتفع بجراية لا تتجاوز مبالغ جرايات ثلاثة أرباعهم الأجر الأدنى المهني المضمون.

وتتمثل الفئة الثانية التي يهمها مبلغ الأجر الأدنى في الأجراء المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين تتوفر لديهم شروط الإحالة على التقاعد أو العجز لكن أجورهم المصرح بها كانت ضعيفة بما يؤدي إلى حصولهم على جراية ذات مبلغ زهيد. وحيث يمكنهم القانون من جراية لا يقل مبلغها عن ثلثي الأجر الأدنى المضمون لمختلف المهن فإن من مصلحتهم الترفيع فيه. وتنطبق نفس الحالة على الأجراء المحالين على التقاعد المبكر أو المنتفعين بجراية نسبية حيث يمكنهم القانون من جراية لا يقل مبلغها عن 50 % من الأجر الأدنى.

أما الفئة الثالثة فهي شبيهة بالفئة الثانية غير أن أصحابها منخرطون في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. ويتعلق الأمر بحالتين: الأولى وهي الجراية الدنيا التي تُسند لمن اشتغل مدة 15 سنة على الأقل وتتمثل في ثلثي الأجر الأدنى في صورة لم تبلغ الجراية بعد احتسابها هذا المبلغ. أما الحالية الثانية فهي منحة الشيخوخة التي تُمنح للمنخرط الذي بلغ السن القانونية للتقاعد واشتغل لفترة تتراوح بين 5 و15 سنة وقد قدرت بــ ℅ 50 من الأجر الأدنى المهني المضمون.

وتتمثل الفئة الرابعة المعنية بمراجعة الأجر الأدنى في أصحاب الجرايات المتضررين من حوادث الشغل والأمراض المهنية الذين ينص القانون المؤرخ في 21 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية على تعديل جراياتهم تبعا لتطور مستوى الأجر الأدنى. ولئن لم يبدأ العمل بهذا التعديل بهذه الطريقة إلا سنة 2019 أي بعد خمس وعشرين سنة من إقراره قانونيا إلا أنه أصبح مكسبا يجعل المتضررين من حوادث الشغل والأمراض المهنية حريصين على الاستفادة منه لتحسين مستوى جراياتهم. ويتولى صرف هذه الجرايات والزيادات فيها الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

وإلى جانب هذه الفئات فإن للترفيع في الأجر الأدنى انعكاسات على المنافع المسندة إلى المنتفعين بالتأمينات الاجتماعية المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتي يتصرف فيها الصندوق الوطني للتأمين على المرض. ويتعلق الأمر خاصة بمنحتي المرض والوضع اللتين تحتسبان اعتمادا على نسبة معينة من متوسط أجر لا يمكن أن يتجاوز مرتين الأجر الأدنى المهني المضمون في اليوم. وتحتسب منحة الوفاة أيضا على أساس ضوارب من الأجر الأدنى حسب قرابة المتوفى بالمضمون الاجتماعي. وهناك منافع أخرى يرتبط احتسابها بالأجر الأدنى بما يبين ما للترفيع في الأجر الأدنى من فوائد على منافع الضمان الاجتماعي سواء منها الدائمة مثل جرايات التقاعد والعجز أو الوقتية مثل منح المرض والوضع.

وقد يعترض البعض على مطلب الترفيع في الأجر الأدنى بدعوى انعكاساته المالية المكلفة على الصناديق الاجتماعية وهو اعتراض مردود على أصحابه ذلك أن الزيادات السابقة حصلت في ظروف كانت فيها التوازنات المالية أكثر اختلالا. فقد كان عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2021 يبلغ 1274 م د ثم نزل سنة 2022 إلى 951 م د ومن المتوقع أن ينخفض في نهاية هذه السنة إلى 887 م د، هذا دون اعتبار مداخيل المساهمة الاجتماعية التضامنية التي يتواصل حرمان الصندوق من منابه منها. أما بالنسبة للصندوق الوطني للتأمين على المرض فهو بصدد تسجيل نتائج محاسباتية إيجابية. فقد كانت النتيجة فائضا ب 1031 م د سنة 2021 و 1058 م د سنة 2022 ومن المتوقع أن تبلغ 1258 في نهاية السنة الحالية.

ورغم ذلك لم تبادر وزارة الشؤون الاجتماعية المسؤولة نظريا على الحوار الاجتماعي والرافعة شعار الدولة الاجتماعية إلى تجميع الشريكين الاجتماعيين والنظر معهما في مراجعة الأجر الأدنى علما أنه كان من المفروض أن تكون المراجعة بوتيرة دورية سنوية مثلما جرت عليه العادة في وقت سابق.

الترفيع في الأجر الأدنى، الآن الآن وليس غدا
أنشره