التعليم النموذجي: توجه نخبوي فاشل فمتى تتم المراجعة؟

يتم في مفتتح كل سنة دراسية طرح عديد التساؤلات حول منظومة التعليم ومختلف إشكالياتها المتكررة منذ سنوات انطلاقا من ارتفاع كلفة المواد المدرسية واهتراء البنية التحتية للمؤسسات التربوية مرورا إلى المردود الداخلي للمنظومة التربوية وعجزها عن تحقيق تعليم جيد وعادل ومنصف لكل تلاميذ تونس مما أدى إلى نتائج وخيمة من بينها ضعف التعلمات المكتسبة والانقطاع المدرسي وضرب المرفق العمومي. وفي خضم هذه الإشكاليات يطرح موضوع التعليم النموذجي ودوره صلب هذه المنظومة.

لقد تم إحداث المعاهد النموذجية منذ سنة 1983 واقتصرت التجربة في البداية على التعليم الثانوي ثم امتدت سنة 2008 لتشمل التعليم الإعدادي وكانت تهدف حسب نص إحداثها إلى تكوين نخبة مميزة قادرة على الـتألق والمسك بزمام البلاد وتبوؤ مواقع قيادية لتسيير دواليب الدولة. لقد تم ضبط عدد المعاهد النموذجية بحوالي 26 سنة 2021/2022 وتبلغ طاقة استيعابها 3425 و27 مدرسة إعدادية نموذجية وتبلغ طاقة استيعابها 3550 تلميذا. لم يرتكز إحداث التعليم النموذجي من البداية إلى دراسة واضحة أو تجارب مقارنة على المستوى الدولي. أما إذا نظرنا له من منظور حقوقي فيعد خرقا لمبدأ المساواة والإنصاف بين التلاميذ وخلق هوة بينهم ونوعا من التمييز وفق النتائج بخلق فئات التلاميذ المتفوقين والتلاميذ المتوسطين. كما تتوفر بمؤسسات التعليم النموذجي ظروف تدريس أفضل ومحيط دراسي مؤهل ومثالي وفرص للنجاح والتألق دون المؤسسات التربوية الأخرى التي تم إفراغها من التلاميذ المميزين واقتصرت على المتوسطين وهو ما يتنافى مع مناهج علم النفس التربوي التي تؤكد على أن التلميذ يكتسب المعارف كذلك من أقرانه. ويتضارب هذا التمييز أيضا مع ما نص عليه الفصل الرابع من القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لسنة 2002 أن «تضمن الدولة حق التعليم مجانا بالمؤسسات التربوية العمومية لكل من هم في سن الدراسة وتوفر لجميع التلاميذ فرصا متكافئة للتمتع بهذا الحق”.

لقد تغير مفهوم المدرسة من بيئة لتكوين شامل للإنسان يمارس التلميذ طفولته ويبني كيانه مع أقرانه بكل حرية إلى مدرسة تنغص المسار التعليمي للطفل بمطالبته وجوبا بتحقيق النتائج كي يتفادى الإقصاء وهو ما يتنافى مع سنه وقدراته ويقتصر بذلك تقييمه على مجرد أعداد. كما أن تكوين تلاميذ النموذجي يوجه بصفة إرادية أو لا إرادية نحو دراسة العلوم والرياضيات وإهمال الجوانب الأدبية والثقافية إلى جانب محدودية وسائل الترفيه والتنشيط الثقافي والتظاهرات الجماعية القادرة على تدريبه على التفاعل الإيجابي مع محيطه الإجتماعي ليكون معتزا بهويته وانتمائه. وبعد أربع عشريات لا تزال الرؤية ضبابية واقتصر تقييم التعليم النموذجي على مواصلة دعمه والإستمرار في نفس التوجه النخبوي وتعميمه على التعليم الإعدادي سنة 2008 مما عمق من الفوارق بين التلاميذ بتوفير فرص أفضل لتلاميذ النخبة ويتم بذلك إقصاء تلاميذ المدارس الإعدادية العادية في مناظرة التاسعة أساسي.

كما بينت الإحصائيات والتقييمات ميل العديد من تلاميذ النموذجي امام انسداد الآفاق إلى العمل بالخارج وانتفاع البلدان الأجنبية بكفاءاتنا الوطنية وحادت بذلك عن هدفها في تكوين نخبة قادرة على إدارة شؤون البلاد. أما فيما يتعلق بالأولياء فقد تغير سلوك العديد منهم تجاه أبنائهم وأصبح الهدف هو تحقيق نتائج متميزة لضمان مقعد في المعاهد أو المدارس النموذجية التي تختلف عن غيرها بضمان مستوى تعليمي جيد ويخلو فيها الانقطاع المدرسي وكل مظاهر السلوكيات الاجتماعية (العنف المدرسي…). كما أنها تمثل “النموذج” وأفضل آلية للصعود الاجتماعي وتثبيت للمكانة الاجتماعية مما زاد في تراجع النجاعة التربوية للمدارس الأخرى. إن التعليم النموذجي أضعف منظومة التعليم العمومي بصفة عامة بخلقه صنفين من المؤسسات التربوية ذات المستوى الراقي وأخرى ذات المستوى المتوسط والضعيف مما ساهم في انتعاش التعليم الخاص وتفشي ظاهرة الدروس الخصوصية فتم ضرب المقومات الأساسية للتعليم وهي المجانية وتكافؤ الفرص وهو ما يدعو إلى مراجعة هذه الخيارات النخبوية والإقصائية حتى يتمتع كل تلاميذ تونس بنفس الحظوظ بتوفر المؤسسات التربوية العمومية القريبة وذات النجاعة التربوية دون أي تمييز اجتماعي أو جغرافي.

جريدة الشروق : 2021/10/13

الحبيب السماوي

التعليم النموذجي: توجه نخبوي فاشل فمتى تتم المراجعة؟
أنشره
الموسومة على: