
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 3 جوان 2022 – ” نافذة على الوطن”
أصبح لدينا في تونس إطار قانوني يُمكن المريض من القيام بفحص أو من الحصول على الوصفة الطبية دون تكبد عناء التنقل إلى مقر عيادة الطبيب. وإلى جانب العيادة عن بعد تشمل ممارسة الطب عن بعد الاختبار عن بعد والرعاية الطبية عن بعد والمساعدة الطبية عن بعد والتنسيق الطبي عن بعد. وجاء ذلك بعد صدور أمر رئاسي بتاريخ 8 افريل الماضي ضبط شروط ممارسة الطب عن بعد ومجالات تطبيقه وذلك في نفس اليوم الذي صدر فيه أمر رئاسي يتعلق بتنظيم العمل عن بعد لأعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت والهيئات العمومية والذي كان تحليله والتعليق عليه موضوع مقالي المنشور في نفس هذا الركن يوم 29 أفريل 2022.
ولئن كانت جائحة الكوفيد سببا في إعطاء دفع على المستوى العالمي لممارسة عدة أعمال عن بعد فإن ممارسة الطب عن بعد انطلقت منذ عدة عقود وأصبحت تلقى إقبالا نظرا لما تتوفر عليه من إيجابيات من بينها التخفيف من أعباء التنقل على بعض المرضى وخاصة منهم كبار السن وتقريب الخدمات العلاجية للسكان الذين يقطنون في مناطق نائية لا توجد بها مرافق صحية وكذلك التوقي من الإصابة بالعدوى في ظروف وجود جائحة على غرار جائحة الكوفيد 19. وهكذا يستفيد الطبيب والمريض على حد سواء من ربح الوقت والتقليص من مصاريف التنقل وتخفيف الضغط على مقرات العيادات في بعض الحالات البسيطة التي لا تتطلب الحضور الجسدي مثل إبلاغ نتائج تحليل أو تجديد وصفة طبية. لكن لممارسة الطب عن بعد حدود مثل عدم تمكن بعض المرضى من استعمال وسائل الاتصال الحديثة سواء لضعف التغطية الاتصالية أو لجهلهم بها. كما قد يكون من غير المناسب الاعتماد عليها بسبب طبيعة المرض مثل الأمراض النفسية والعصبية.
أما فيما يتعلق بممارسة الطب عن بعد في تونس فقد تميزت الإجراءات المنصوص عليها في الأمر الرئاسي بتحكم الدولة في التصرف فيها وضمان حقوق المرضى من ذلك أن وزير الصحة هو الذي يُسند إلى جانب الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية الترخيص لممارسة الطب عن بعد. ويضبط الوزراء المكلفون بالصحة والشؤون الاجتماعية والمالية تعريفات أعمال الطب عن بعد وطرق خلاصها. ويتمتع المريض بالحماية من أي استغلال لهذا الشكل من العمل لأهداف تجارية حيث يُحجّر على منصة الطب عن بعد أن تتضمن دعاية إشهارية لمواد الصحة أو وسيلة لتوجيه المرضى إلى أي مسدي خدمات صحية. كما يُمنع توظيف أي معلوم عند استعمال الصيادلة لمنصة الطب عن بعد لتأمين صرف الأدوية بناء على وصفة طبية الكترونية. وفي إطار مراعاة ظروف مواجهة فيروس كوفيد 19 تكون العيادات عن بعد مجانية للاشخاص المصابين الذين تتم معاينتهم بالمنزل عن بعد.
وسعيا إلى صيانة السيادة الوطنية فرض الأمر الرئاسي إيواء وتخزين المعطيات التي تتم معالجتها في إطار أعمال الطب عن بعد في تونس لدى مسدي خدمات حوسبة وإيواء وطني وفقا للتشريع والتراتيب الجاري بها العمل في مادة السلامة المعلوماتية وحماية المعطيات الشخصية. كما اشترط على الأطباء أو أطباء الأسنان الراجعين بالنظر للقطاع العمومي أو القطاع الخاص أن يقوموا بالتصريح بممارسة أعمالهم للمصالح المختصة بوزارة الصحة وللعمادات المهنية المعنية عندما تكون موجهة إلى مرضى مقيمين بالخارج.
إن تنظيم ممارسة الطب عن بعد خطوة إيجابية على المستوى القانوني لكن تطبيقها يبقى رهين نشر القرارات وإبرام الاتفاقيات المنصوص عليها وخاصة الاتفاقيات التي تضبط شروط وكيفية التبادل الإلكتروني للمعطيات بين أصحاب منصات الطب عن بعد والصندوق الوطني للتأمين على المرض. ولا شك أن إطاراتنا الطبية وشبه الطبية لهم من الكفاءة والخبرة ما يضمن حسن التصرف في ممارسة الطب عن بعد بما يعود بالفائدة على كل الأطراف المتدخلة وفي مقدمتها المريض.