الحماية الاجتماعية في قانون المالية لسنة 2024:لا جديدَ يُذكر بل قديمٌ يُعاد

د. بدر السماوي – جريدة الشعب: 24 نوفمبر 2023

يتناول هذا المقال بالتحليل والتعليق بعض ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2024 في مجال الحماية الاجتماعية سواء ما تعلق بالضمان الاجتماعي أو بالمساعدات الاجتماعية.

التقاعد في القطاع العمومي

دعا قانون المالية إلى تطبيق الإجراء المنصوص عليه في قانون المالية لسنة 2023 المتعلق بترشيد الترفيع في سن الإحالة التقاعد وهو المتعلق باختيار الترفيع في سن الإحالة على التقاعد بسنة او بسنتين او بثلاث سنوات الذي أصبح يخضع إلى رأي المشغل خلافا لما نص عليه القانون الصادر سنة 2019. وأصبح أيضا بمقتضاه بإمكان العون التراجع على مطلبه في الترفيع في الإحالة على التقاعد بعد أن كانت الصيغة الأولى تنص على أن اختيار العون المعني نهائي وغير قابل للرجوع فيه.

كما نص قانون المالية على مواصلة العمل بالبرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية الذي تم إحداثه بمقتضى قانون المالية لسنة 2022 والمتمثل في طلب الإحالة بداية من بلوغ العون 57 سنةوقبل السن القانونية والمحددة ب 62 سنة، وهو نفس ما وقع التنصيص عليه في قانون المالية لسنة 2023 ذلك أن قانون المالية لسنة 2022 حدد مدة الانتفاع بهذا الإجراء في الفترة الممتدة بين غرة جانفي 2022 و 31 ديسمبر 2024.

مجرد اجترار

لم تفصح الحكومة على عدد المطالب التي حصلت على الموافقة بالنسبة لترشيد الترفيع في سن الإحالة على التقاعد لكن المؤكد أن هذا الإجراء سيحدّ من عدد الأعوان الذين يرغبون في الترفيع الاختياري في سن الإحالة على التقاعد. كما لم تقدم الحكومة بالنسبة للبرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد معلومات حول مدى الانتفاع بهذا الإجراء رغم مرور سنتين على إقراره. مع الملاحظة أن تذكير قانون المالية بهذا الإجراء ليس سوى اجترار وتكرار. ويشير الاطلاع على التجارب السابقة المماثلةإلى ضآلة حظوظ تحقيق الغاية التي أحدثت من أجلها الإحالات. ونذكر في هذا الصدد فشل الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونيةلسنة 2009 وضبط أحكام استثنائية للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العموميةلسنة 2017 والمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين لسنة 2018. وتشذ على هذا التقييم الإحالة على التقاعد الاختياري قبل بلوغ السن القانونية بالشركة الوطنية للاتصالات لسنة 2014 حيث بلغت نسبة الإحالة 30 % من الأعوان وهي نسبة لم يقع تحقيقها في القطاع العمومي لكل الإجراءات مجمعة للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية من سنة 2009 الى سنة 2023 . ويعود سبب نجاح تجربة الشركة التونسية للاتصالات إلى سن الإحالة المحددة ب 50 سنة وإلى تقديم حوافز هامة للراغبين في الإحالة.

القطاع غير المنظم

لم يتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2024 أي إجراء يتعلق باستيعاب القطاع غير المنظم علما أن قوانين مالية سابقة سعت إلى الاعتماد على آلية الضمان الاجتماعي لاستيعابه ومن آخرها قانون المالية لسنة 2019 الذي أقر تشجيع أصحاب الدخل غير القار على الانخراط في المنظومة الجبائية وفي منظومة الضمان الاجتماعي عبر تشجيع صغار المستغلين من ذوي الدخل غير القار الذين ليست لهم مقرات مخصصة لممارسة نشاطهم والذين يمارسون أنشطة الحرف الصغرى والصناعات التقليدية وكذلك التجار المتجولين دون إيداع التصريح في الوجود. ولئن تسببت بعض الظروف الموضوعية مثل جائحة الكوفيد 19 في صعوبة التقدم في المهمة فهذا لا يبرر عدم اتخاذ إجراءات جديدة أو تفعيل الإجراءات الموجودة نظرا لتداعيات القطاع المنظم على القطاع المنظم من الناحية الاقتصادية وتأثيره على حقوق العمال في مجال الحماية الاجتماعية من الناحية الاجتماعية.

تمويل الضمان الاجتماعي

ورد في التقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 الصادر عن وزارة المالية أن عائدات حساب تنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي ستبلغ 800 مليون دينارا في السنة القادمة. وبناء على ما سبق يحق لنا أن نتساءل عن طريقة تقدير هذا المبلغ الذي يساوي نفس مبلغ عائدات سنة 2023 خاصة بعد تعديل نسبة المساهمة الاجتماعية التضامنية في قانون المالية لسنة 2023 بالتخفيض في نسبتها بالنسبة للأجراء والترفيع فيها بالنسبة للمؤسسات للسنوات من 2023 إلى 2025.

وللتذكير فقد وقع إحداث هذا الحساب في قانون المالية لسنة 2022 لضبط طريقة توزيع المساهمة الاجتماعية التضامنية على الصناديق الاجتماعية بطريقة موضوعية بعد أن لاحظ الشريكان الاجتماعيان الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تكتما من الحكومة حول الحجم الحقيقي لمواردها ولطريقة توزيع نفقاتها. كما أوكل نفس القانون لوزير الشؤون الاجتماعيةإصدار قرار يضبط معايير توزيع عائدات المساهمة الاجتماعية التضامنية إلا أن هذا القرار لم يصدر بعد بل إن وزارة المالية أجابت المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أنها تعتمد في توزيع العائدات على قرار صادر عن وزير الشؤون الاجتماعية مؤرخ في 19 أفريل 2022 وأن هذا القرار” لا ينشر في الرائد الرسمي”!!!.

المساعدات الاجتماعية

ستشهد المساعدات الاجتماعية زيادة بسيطة في عدد المنتفعين وفي المبالغ المسندة. وسترتفع المنحة الشهرية المسندة للفئات الفقيرة من 220 دينار إلى 240 دينارا كما سيرتفع عدد المنتفعين من 320 ألفا إلى 330 ألفا. ولم يطرأ تغيير على عدد المنتفعين من الفئات محدودة الدخل حيث حافظت الحصة السنوية على عدد في حدود 620 ألف. أما على مستوى المبالغ المرصودة لهذه المساعدات فستشهد المنح القارة ترفيعا طفيفا من 867 مليون دينار خلال سنة 2023 إلى 980 مليون دينارا خلال السنة القادمة. وسترتفع أيضا بنسبة بسيطة المبالغ المرصودة بعنوان تقديم مساعدات بمناسبة العودة المدرسية والجامعية والمناسبات الدينية والمساعدات الظرفية وتمويل المشاريع الصغرى لفائدة الفئات الهشّة. هذا مع العلم أن جزءا هاما من هذه المساعدات مُموّل من قرض من البنك الدولي ومن منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

لا حماية اجتماعية دون حوار اجتماعي

إن اللجوء إلى قانون المالية لتمرير إجراءات استثنائية في مجال الحماية الاجتماعية ليس الطريقة الأمثل بل إنه كان من المفروض الاهتمام بها بصفة منفصلة وذلك بتشخيص الوضع وتقديم حلول بكل هدوء وتريث. كما أن ملفات الحماية الاجتماعية من أكثر الملفات في حاجة إلى الحوار الاجتماعي مع الشركاء الاجتماعيين بحكم تمويلها من المؤجرين والأجراء خاصة في ظل ما تمر به الحماية الاجتماعية من صعوبات سواء في مستوى اختلال التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية أو في مستوى جودة الخدمات أو في مستوى اعتماد المساعدات على القروض والهبات.

ويمكن في الختام تقديم بعض الاقتراحات حول الملفات المثارة أعلاه. ففي موضوع التقاعد في القطاع العمومي لا بد من تقييم التجارب السابقة والسعي إلى اعتماد حد أدنى من التناسق بين مختلف الإجراءات. ولا بد في مجال القطاع غير المنظم من تفعيل النصوص الصادرة وتعزيز تدخل جهاز المراقبة الاجتماعية. وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية تشريك الأطراف الاجتماعية مستقبلا في ضبط معايير توزيع عائدات المساهمة الاجتماعية التضامنية. وختاما فإن حسن التصرف في المساعدات الاجتماعية يمر عبر إنشاء الوكالة الوطنية للإدماج والتنمية الاجتماعية التي نص عليها القانون الأساسي للأمان الاجتماعي.

الحماية الاجتماعية في قانون المالية لسنة 2024:لا جديدَ يُذكر بل قديمٌ يُعاد
أنشره