
تقدم الاتحاد في أواخر نوفمبر الفارط بمبادرة حوار لإنقاذ البلاد مما تردت فيه من أوضاع على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من منطلق دوره الذي دأب على القيام به منذ تأسيسه. غير أن قائمة المشاركين في الحوار اتسعت لتشمل المتسببين في هذه الأوضاع والمسؤولين على الجرائم التي ارتكبت في حق البلاد منذ 2011 مما يعكس محاولة جديدة لتشويه سمعة الاتحاد واختراق صفوفه بصفته سدّا منيعا في وجه الخيارات المخلة بالسيادة الوطنية.
لقد جندت الترويكا بزعامة حركة النهضة ذراعها التكفيري لشن حملة شرسة ضد الاتحاد منذ سنة 2012 تحت عنوان “اتحاد الخراب” محملة إياه مسؤولية خياراتها الفاسدة فرفّعت في سقف المطالب لتعجيز النقابات وعزلها وبعثت المنظمات والأجسام النقابية الموازية وقدّمت مشروع قانون للتضييق على الاتحاد في وضع النقابيين على الذمة وعطلت الاتفاقيات التي تمضي عليها الحكومة لتحرض بعد ذلك على التمرد لعدم تطبيقها. وتتولى تنفيذ هذا الاختراق قوى سياسية متنفذة على مستوى قيادات الاتحاد جعلته يوظف إمكانياته المالية والبشرية لخدمة أجندتها المتماهية مع حركة النهضة والتي ظهرت نتائجها من خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة ثم من خلال دخولها تركيبة حكومة الفخفاخ وهي اليوم تعمل على توظيف قوة الاتحاد لتحسين شروط التفاوض مع الائتلاف الحاكم. وتسعى هذه الأطراف لوضع الاتحاد تحت الابتزاز الدائم بانسلاخ نقابات كبرى من صفوفه وتحويله لمجرد كنفدرالية نقابات متنافرة وتحويل مركزيته لمجرد إشراف فاقد للقرار وإضعاف رصيده النضالي بإفراغ الاتحاد من مناضليه باسم رفض “المركزية المشطة” وباسم “الديمقراطية التشاركية” و”ترسيخ الممارسة الديمقراطية” و”احترام القوانين الداخلية”.
ويعتبر هذا الاختراق مواصلة لمخطط بدأ منذ سنوات جعلت الاتحاد يشرّع أبوابه لمنظمات أجنبية متصهينة تعمل على اختراق المجتمعات وتشتري الولاء وتفسد الذمم بالاعتماد على تمويلاتها الضخمة على غرار “فريدريك إيبارت” الألمانية و”المركز العمالي العالمي” الأمريكي ، كما جعلته ينسلخ من “الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب” لينضم بدلا عن ذلك لاتحاد مشبوه وآخرها التعامل مع “جمعية الحق في التعلم” (ANDET) التابعة لـ”مؤسسة المجتمع المفتوح” التي أسسها أحد أباطرة اللوبي المالي العالمي الصهيوني الملياردير جورج سوروس ممول الثورات الملوّنة والداعم لصعود الإخوان في الحكم.
جاءت مبادرة الاتحاد إثر المجلس الوطني الأخير الذي حقق وحدة النقابيين في التصدي للاختراق بعد حملة مسعورة شنتها المعارضة تحت مسمى “الملتقى النقابي” نشرت فيها الغسيل الداخلي للخلافات النقابية على صفحات التواصل الاجتماعي وفي القنوات التلفزية والتقت فيها مع أجندات أعداء المنظمة التي واجهها الاتحاد بشن إضرابات جهوية مصحوبة بتراجع السيطرة على التحركات متمثلا في نوع من “إخلاء الساحات” كالتضييق على التحرك القطاعي وعدم الاهتمام بالقطاعات غير المهيكلة كالدكاترة الباحثين والعاطلين ممن طالت بطالتهم والتخلي عن شريحة هامة من عمال الحضائر.
توجه الاتحاد بمبادرته للـ”القوى الوطنية التي تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية ولا تصطف مع الأحلاف الخارجية”، مقاييس طبقها على ائتلاف مخلوف دون النهضة مما يعد تبرئة هذه الأخيرة في حين أن سياسات التوافق والحوار مع القوى المتورّطة في جرائم في حق الوطن وفي حق أقطار شقيقة لا تجدي نفعا بل تساهم في تبييض هذه القوى وتجديد نفسها. وكان من المفترض محاسبتها على جرائمها وكشف الحقيقة في ملفات التسفير والاغتيالات والقضاء على مخلفات الربيع المشؤوم بإعادة بناء الاقتصاد الوطني وإعادة الاعتبار للنواحي الاجتماعية وإعادة العلاقات مع سورية وتجريم التطبيع. أما عن الحزب الدستوري الحر الذي عبر برنامجه بمنتهى الوضوح عن تبنيه للدولة المدنية وأثبت بالممارسة أنه ينبذ العنف ويقاوم الإرهاب ويرفض الاصطفاف مع أحلاف خارجية فهو الأحق بالحوار وليس تسويته بائتلاف الإرهاب. ثم إن ما جَمَع بين الاتحاد والدساترة من تاريخ نضالي وطني مشترك فترة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية ولا يزال أكثر بكثير مما يفرقهم.
وإن كان لا بد من حوار اليوم للخروج بالبلاد مما تردت فيه فهو حوار بين الوطنيين بمختلف مشاربهم يكون أساسا لتجاوز أخطاء الماضي ويوحّد الرؤى على مشروع وطني يضع البلاد على سكة الخلاص الحقيقي. فالموقع الطبيعي للاتحاد هو الصف الوطني ولن تقبل قواعده بغير هذا الموقع لمنظمتهم التي يريدونها مستقلة تعتمد على قواعدها صاحبة القرار في ممارسة دورها الوطني والاجتماعي الوفي لتاريخها النضالي ولثوابتها ولزعمائها الأفذاذ، تدافع على السيادة الوطنية وعن الدولة المدنية وتعزز الصف الوطني وتتبنى مطالب الشغالين وحقوق الشعب وتدافع عنها باستماتة.