الرهان الرياضي الموازي: مخاطر اجتماعية واقتصادية وسيادية

طفت على السطح في الأيام الأخيرة قضية الرهان الرياضي الموازي وتناقلتها وسائل الإعلام وأصبحت قضية تهم الرأي العام لمخاطرها المتعددة والمتشابكة على تونس وعلى التونسيين وخصوصا على موارد المالية العمومية وعلى إضعاف المرفق العمومي. وفي قراءة قانونية نلاحظ استئثار الدولة بمجال الرهان الرياضي منذ الستينات من خلال مرسوم سنة 1960 الذي أجاز ممارسة التكهنات مثلما أكد مرسوم سنة 1974 على تنظيم القطاع وألعاب اليانصيب والملاهي. ثم مثل قانون سنة 1984 النقلة النوعية بإحداث ” شركة النهوض بالرياضة” و ” صندوق النهوض بالرياضة والشباب ” الذي أصبحت تحول له منذ سنة 1987 نصف مقابيض المسابقات لتمويل الأنشطة الرياضية وتطوير البنية الأساسية الرياضية مما ساعد على إحداث شبكة من المنشآت الرياضية من ملاعب معشبة وقاعات رياضية في مختلف الجهات. أما النصف الثاني من المداخيل فيؤول خُمُسُهُ للشركة والبقية تكون نصيب المتراهنين.
وقد تطورت خلال العشرية الفارطة مداخيل الشركة وناهزت 130 مليون دينار سنة 2013 لكنها تراجعت بداية من سنة 2016 بصفة تدريجية بعد أن تحركت الأطراف لنيل نصيها من الكعكة بإدراج فصل في قانون المالية لسنة 2016 يقضي باقتطاع 25 بالمائة من نصيب المتراهنين وتحويلها لخزينة الدولة مما أدى إلى تراجع مشاركة المتراهنين واتجاههم نحو الرهان الرياضي الموازي. ورغم إلغاء هذا الفصل سنة 2018 لم تسترجع الشركة عنفوانها المعهود ولم تبلغ حجم مداخيلها السابقة نظرا للانتشار السريع لهذا النشاط غير القانوني واستغلال ضعف الدولة بدعم من الأطراف الحاكمة والنافذة. وهكذا انتشرت دكاكين الرهان الرياضي الموازي الذي ينقسم إلى نوعين. ويتمثل النوع الأول في تنظيم رهانات تكون منصاتها ومواقعها الإلكترونية في الخارج باعتماد العملة الصعبة التي يتم تحويلها بصفة غير قانونية للبلدان الأجنبية ودون أية ضمانات قانونية للمتراهنين ويعد هذا النوع خطيرا لأنه يمس في العمق السيادة الوطنية واقتصادنا. أما النوع الثاني فهو عبارة عن شركات قانونية تنشط تحت يافطة نشاط الخدمات الإعلامية لكنها تمارس نشاط الرهان الرياضي الموازي على الخط الذي لا يندرج ضمن الأنشطة المرخص لها. ورغم الحكم الصادر عن مجلس المنافسة الذي قضى باحتكار الدولة لهذا النشاط إلا أنها استمرت في مزاولة هذا النشاط بل انتعشت خلال السنة الفارطة من خلال الفصل 24 من قانون المالية لسنة 2021 الذي تم تمريره من قبل مجلس النواب المجمد وبضغط من عديد النواب والذي نص على خضوع شركات الرهان الرياضي إلى أداء في حدود 15 بالمائة في حين يصل الضغط الجبائي على شركة النهوض بالرياضة إلى 53 بالمائة (بين مداخيل الصندوق و نسبة 3 بالمائة للطابع الجبائي) كي يتم جمع المرابيح على حساب شبابنا الذي سقط في دائرة الإدمان وفي تدمير ممنهج للمرفق العمومي. كما تتمثل خطورتها السيادية في ارتباطها بشركات أجنبية مختصة في الرهان الرياضي التي توفر لها الدعم اللوجستي والإلكتروني. وقد انخرطت بعض الهياكل والجمعيات الرياضية ووسائل الإعلام السمعي البصري في الإشهار والاستشهار لهذه المواقع الإلكترونية في خرق للنصوص التشريعية التي تمنع ذلك لما تمثله من خطر كبير لاسيما على الأطفال.
وللحد من هذه الظاهرة من الضروري تظافر كل الجهود بدءا من الأسرة وصولا إلى الأطراف الحكومية التي لها علاقة مباشرة للتصدي لهذه الشبكة العنكبوتية التي تقف وراء هذه الشركات وهو ما يستوجب توفير الآليات القانونية القادرة على تنظيم القطاع باستمرار وتحكم الدولة في حماية المرفق العمومي والاقتصاد الوطني والمعطيات الشخصية من مخاطر هذه الظاهرة ولاسيما المواقع الإلكترونية الأجنبية التي تمكنت من اختراق اقتصادنا وعقول شبابنا. ويتمثل البديل في اعتماد منصات وطنية تساهم في تشغيل الكفاءات الوطنية على غرار مختلف التجارب الدولية التي أبقت رقابتها على قطاع الرهانات.

بقلم: الحبيب السماوي

الرهان الرياضي الموازي: مخاطر اجتماعية واقتصادية وسيادية
أنشره