“السلجم الزيتي” خطوة على طريق الأمن الغذائي

ما زال المواطن يعاني من فقدان الزيت النباتي أو ما يسمى ” بزيت الحاكم ” ولم يتمكن بعدُ جهاز المراقبة من السيطرة تماما على شبكات الاحتكار والتحكم في مسار توزيع هذه المادة التي تعتبر أساسية لضعاف الحال. وتعود المشكلة إلى وضعية هيكلية تعتمد على التوريد في ظل تراجع أداء الإنتاج الفلاحي مما يهدد أمننا الغذائي بل إن التعويل على الخارج نفسه لم يعد مضمونا بعد جائحة الكورونا ونزوع أغلب البلدان إلى خزن ما زاد على حاجياتها من المنتوجات الغذائية. ومن شأن هذه التحديات أن تدفع بنا نحو العمل على توفير المواد الفلاحية الضرورية والتقليص أكثر ما أمكن من التوريد. ومن بين الحلول التي شرع بعض الفلاحين في تكريسها زراعة السلجم الزيتي التي تشهد نُموّا وتوسّعا من حيث المساحات من سنة إلى أخرى حيث توفر هذه الزراعة زيتا ذا جودة عالية من إنتاج بذورها وتُمثل بدائل هامة تُعوّض الصّوجا. كما تُعتبر فضلات الحبوب بعد استخراج الزيت منها من أهم مصادر البروتين الذي يقع دمجه في التركيبة العلفية للعلف المُركّز. وقد أصبحت مصانع الأعلاف تتزود من هذه المادة حتى تتمكّن من توفير حاجيات القطيع وخاصة الأبقار الحلوب.

لقد أثبتت التجارب الميدانية قيمة هذه الزراعة في التداول الزراعي حيث ساهمت في رفع مردوديّة القموح الذي يمثل التحدّي الكبير لبلادنا والركيزة الأساسية لأمننا الغذائي، وتبيّن ذلك من خلال ارتفاع إنتاج القموح على أرض كانت مزروعة سلجم زيتي مقارنة بالسوابق الزراعية الأخرى مثل الفول المصري والبرسيم العلفي واللفت السكري رغم أهميتها في النشاط الفلاحي ببلادنا ومزاياها المتعدّدة. كل ذلك يدلّ أنّ لهذه الزراعة قيمة كبيرة في الفلاحة بدءا بضمان مدخول يُعتبر هاما علاوة على دورها في تسميد التربة والزيادة في خصوبتها بتوفير مواد عضوية مرورا بتأقلم هذه الزراعة مع التغيّرات المناخية ببلادنا، فهي لا تحتاج إلى كمّيات كبيرة من المياه (280 مم فقط) مقارنة بالقموح (450-480 مم) في ظل نقص الأمطار. كما توفر زيوتا كإنتاج ضروري للغذاء وأعلافا هامة للقطيع الحيواني خاصة مع الأثمان الباهظة للسماد العضوي من رفع ونقل ونثر. هذا وقد انطلقت زراعة السلجم الزيتي ببلادنا منذ أواخر الثمانينات وتوقفت خلال فترة محدودة واسترجعت مكانتها سنتي 2004 و2005، ثم عرفت نسقا جديدا سنتي 2015 و2016 وانخرطت فيها حوالي 14 ولاية وشملت كل ولايات الشمال وتوسّعت إلى الوسط والوسط الغربي. ولا تقتصر تجربة زراعة السلجم الزيتي على تونس بل نسجت على منوالها الشقيقة الجزائر التي شرعت في تجربة مماثلة خلال السنوات الأخيرة. وأفاد أحد الخبراء الجزائريين أن زراعة السلجم الزيتي تساهم في نشاط تربية النحل بما أن أزهاره تمثل غذاء مفضلا للنحل معتبرا أن التعامل مع هذه الزراعة سيكون بمثابة زراعة استراتيجية لمساهمتها في تقليص فاتورة استيراد الزيوت ومحافظتها على رصيد الدولة من العملة الصعبة. كما اعتبر أن نجاح تجربة زراعة السلجم الزيتي في الجزائر سيكون له تأثير على المستوى الإقليمي بالنظر إلى اعتمادها في تونس والمغرب نظرا إلى أن المناخ ونوعية التربة واحدة ويمكن حتى لمناطق غرب ليبيا أن تحول بوابات الصحراء إلى مساحات تصلح لزراعة السلجم الزيتي.

إنّه من المفيد التشجيع على هذه الزراعة لما لها من انعكاسات على التقليص من نفقات صندوق الدعم وتطوير مردودية القموح وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن وخاصة التقدم خطوة على طريق الأمن الغذائي. ومن ناحية أخرى فإن تطوير نفس الإنتاج على غرار الزيتون والتمور في الأقطار المغاربية من شأنه أن يعطي دفعا لبعث قوة إقليمية اقتصادية في مواجهة التحديات العالمية المتصاعدة.

د. بدر السماوي – الشروق : 19 نوفمبر 2021

“السلجم الزيتي” خطوة على طريق الأمن الغذائي
أنشره