السلطة المحلية على خطى السلطة التشريعية

لم يقتصر المشاركون في المسيرة التاريخية يوم 3 أكتوبر الماضي على المطالبة بحل البرلمان بل رفعوا شعارات تطالب باستقالة أو إقالة المجالس البلدية التي ثبت بعد تجربة ثلاث سنوات أنها مشروع يهدد وحدة الدولة وسيادتها ولا علاقة له بالتنمية والعدالة بين الجهات أو بخدمة المواطن وتيسير إدارة الشأن المحلي. فقد كرس الباب السابع من دستور 2014 تفكيك هياكل الدولة وتغليب النفوذ المحلي على النفوذ الجهوي بدعوى الديمقراطية التشاركية واللامركزية وما تطاول رئيس بلدية الكرم على رئيس الجمهورية إلا مثال على ذلك. وأنتج القانون الانتخابي تفريخ برلمانات مصغرة في شكل بلديات. ولم تصدر أغلب الأوامر الحكومية لمجلة الجماعات المحلية وخاصة منها ما يتعلق بالتمويل مما أعاق وفاءها بالتزاماتها تجاه منظوريها.

وتتحمل حركة النهضة المسؤولية في هذا الوضع حيث عملت منذ سنة 2018 على السيطرة على المجالس البلدية مدعية الفصل بين الدعوي والسياسي ودافعة بعض عناصرها الدعوية إلى الترشح للانتخابات البلدية مع ما شاب الانتخابات من شبهات بدأت تكشف عنها محكمة المحاسبات. كما سعت إلى التحكم في الجهاز الإداري للبلديات بمحاصرة الكتاب العامين وتهميش دورهم رغم ما يمتلكونه من كفاءة وخبرة. ثم مرت إلى التعامل مع البلديات كغنيمة عبر تمرير الأمر الحكومي عدد 315 المؤرخ في 11 ماي 2020 حول الحراك الوظيفي للأعوان العمومين لفائدة الجماعات المحلية. وينص هذا الأمر الصادر في عهد حكومة الفخفاخ التي ضمت وزراء من حركة النهضة من بينهم وزير الشؤون المحلية على أن العون العمومي بإمكانه طلب نقلته إلى جماعة محلية مع التمتع بامتيازات مالية هامًة مثل منحة الوضع على الذمة ومنحة أعباء تغيير مقر الإقامة وبحوافز المسار المهني ومنحة تصل إلى 200 بالمائة من الأجر الشهري الأساسي تتحملها الجماعة المحلية المعنية. وكانت التعلة تطوير الموارد البشرية في الجماعات المحلية في حين كان الهدف تخلص الدولة من إطارات معزولة تابعة لحركة النهضة مثل المعتمدين والمنتدبين في إطار العفو العام لتمكينهم من موطأ قدم داخل البلديات وتحقيق امتيازات مالية لفائدتهم مكان الأعوان الأصليين وعلى حساب الخدمات الأساسية للمواطنين. وقد قوبل هذا الأمر باستنكار من الأعوان البلديين وبرفض من الجامعة العامة للبلديين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل.

كما تمثل خطر الشكل الجديد من السلطة المحلية في فتح الباب أمام الجماعات المحلية لربط علاقات مع بلديات أجنبية مما يمثل طريقا للتسول والتفريط في السيادة الوطنية بدعوى انعدام الموارد المالية. وهكذا طلبت بلديات يرأسها نهضويون الانخراط في في منظمة “رؤساء بلديات من أجل السلام” التي تضم بلديات تابعة للكيان الصهيوني في تناسق مع شيخ الإخوان ذي العلاقة الوطيدة مع عدة منظمات صهيونية ومن أبرزها المنظمة الأمريكية لدعم الصهيونية (الأيباك). ولما حدث زلزال 25 جويلية انكشفت مخطط التمكين الإخواني بعد أن أصدر رئيس الجامعة العامة للبلديات النهضاوي الانتماء بيانا يستنكر فيه القرارات الرئاسية لولا وقوف مستشارين وطنيين شرفاء ضده مما أجبره على التراجع. كما افتضح أمر الإخوان عندما حاول بعض المستشارين النهضويين استغلال مناصبهم لحشد أتباعهم لمعارضة قرارات الرئيس مما دفع بعديد المواطنين إلى طردهم.

إن الوضع الذي آلت إليه السلطة المحلية اليوم لا يختلف على ما وصلت إليه السلطة التشريعية من رداءة بل قد يكون أسوأ مما يطرح بكل سرعة إيقاف العمل بمجلة الجماعات المحلية والأمر الحكومي عدد 315 وتجميد المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية يشرف عليها إما المعتمدون أو الكتاب العامون للبلديات أو كفاءات وطنية في انتظار إعادة النظر في النظام السياسي. ولا شك أن الأعوان البلديين سيساهمون في النهوض بالواقع المحلي خاصة إذا ما وقع تثمين دورهم وتلبية مطالبهم.

صدر بجريدة الشروق يوم 8 أكتوبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

بقلم د. بدر السماوي

السلطة المحلية على خطى السلطة التشريعية
أنشره
الموسومة على: