
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 10 جوان 2022 – ” نافذة على الوطن”
شرعت اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية المنبثقة عن الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة في عملها منذ يوم 4 من هذا الشهر لبلورة تصورات لإدراجها في مشروع دستور الجمهورية الجديدة في إطار إتمام مسار 25 جويلية 2021 وتحضيرا للاستفتاء. وسيتم في هذا الصدد الاهتمام بصفة خاصة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي لتجاوز سلبيات دستور 2014 الذي نغمس في المتاهات السياسوية وأهمل البعد التنموي. ولئن كان من الطبيعي أن يستأنس واضعو الدساتير وواضعو التشريعات بصفة عامة بالتجارب المقارنة فإنهم عادة ما يركزون على تجارب البلدان الغربية دون النظر إلى غيرها من البلدان المشابهة من حيث التحديات المطروحة. ولعله من المفيد في هذا الصدد البحث فيما ورد في دساتير عربية مثل دستور الجمهورية العربية السورية لسنة 2012 ودستور جمهورية مصر العربية لسنة 2019 ودستور الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية لسنة 2020. فقد أفردت الدساتير المذكورة الشأن الاقتصادي بأبواب خاصة موكلة الدور الرئيسي فيه إلى الدولة.
فقد ألزم الدستور المصري الدولة بحماية الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية وزيادة تنافسيتها بصفتها مقومات أساسية للاقتصاد الوطني وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار وزيادة الإنتاج وتشجيع التصدير وتنظيم الاستيراد. وأكد الدستور السوري على أهمية التخطيط حيث نص على أن الاقتصاد الوطني يقوم على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشـة الفرد وتوفير فرص العمل. وحصر الدستور الجزائري مهمة تنظيم التجارية الخارجية لدى الدولة.
واتفقت الدساتير الثلاثة على إعطاء الأولوية للفلاحة حيث اعتبر الدستور المصري أن الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتسهر الدولة في الدستور الجزائري على حماية الأراضي الفلاحية وضمان بيئة سليمة من أجل حماية الأشخاص وتحقيق رفاهيتهم. أما الدستور السوري فقد عين حدا أقصى للملكية الزراعية والاستثمار الزراعي بما يضمن زيادة الإنتاج وحماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال. وفي الشأن الاجتماعي أكد الدستور السوري على أن المجتمع يقوم على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد. وحظي الحق في العمل بالأولوية في الدستور الجزائري حيث اعتبره ” حقا وواجبا ” وأضاف الدستور المصري إليه عبارة ” وشرفا”.
واتفقت الدساتير الثلاثة على ضمان الحماية الاجتماعية وتعهدت مصر في دستورها بتخصيص نسبة 3 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي لتمويل الحماية الاجتماعية مثلما التزمت بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي. واعتبر الدستور الجزائري الرعاية الصحية حقا للمواطنين تكفله الدولة. ونالت الأسرة اهتماما كبيرا في الدساتير الثلاثة من ذلك أن الدستور الجزائري نص على إلزام الأولياء بتربية أبنائهم واضعا إياهم تحت طائلة المتابعات الجزائية في صورة عدم القيام بواجباتهم. لكن الملفت للانتباه وضع الأبناء تحت طائلة العقوبات الجزائية في صورة إخلالهم بواجب مساعدة أوليائهم والإحسان إليهم وهو ما لم تتعرض له بقية الدساتير بمثل هذه الصرامة. وبرز في الدساتير الثلاثة واجب الإحاطة الاجتماعية بأسر الشهداء فقد نص الدستور الجزائري على احترام رموز الثورة وأرواح الشهداء وكرامة ذويهم والتزمت الدولة في مصر بتكريم شهداء الوطن ورعاية مصابي الثورة والمحاربين القدماء وأسر المفقودين في الحرب وتوفير فرص العمل لهم واعتبرت سورية أن للشهادة في سبيل الوطن قيمة عليا وعليها التكفل بذوي الشهداء. ويعد الاهتمام بالإحاطة الاجتماعية باسر الشهداء خير دليل على أهمية الاستئناس بتجارب هذه البلدان التي سقط خيرة أبنائها في السنوات الأخيرة شهداء في مقاومة الإرهاب.
هذه بعض الأفكار بهدف المساهمة في صياغة دستور يعتمد على نظرة وطنية تكون للدولة فيها المسؤولية الأولى في المجال الاقتصادي وذلك بصفة متلازمة مع التوجه نحو دولة الرعاية الاجتماعية.