بقلم د. بدر السماوي – جريدة الشعب :7 ديسمبر 2023

ما أن استفاق العدو الصهيوني من صدمته وذهوله بعد عملية “طوفان الأقصى” البطولية يوم 7 أكتوبر الماضي حتى انطلقت آلة الكذب والتشويه الضخمة التي يملكها هو والمشرفون عليه في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص متهمة حركة حماس بأنها إرهابية ومُشبّهة كتائب عز الدين القسام بتنظيم داعش. وفي وقت لاحق أصبحت بعض المنظمات والجمعيات سواء الدولية أو الإقليمية في البلدان الغربية تقوم بعمليات استفزاز وإرهاب لفروعها في البلدان العربية بما فيها تونس متوجهة إليها بالسؤال” هل أنتم مع حماس أم ضدها” في محاولة لابتزازها من أجل تغيير مواقفها تجاه القضية الفلسطينية وإدانة حركة حماس بما يعني إدانة المقاومة الفلسطينية. ومن آخر الأخبار بل الأكاذيب إعلان باريس عن تجميد أصول يحيى السنوار ومحمد الضيف بدعوى إدراجهما على القائمة الأمريكية للإرهابيين الدوليين. فما هي الحقيقية ؟ ومن هو شبيه “داعش ” المقاومة أم الكيان الصهيوني؟

لقد تأسس هذا الكيان على يدي الغرب الاستعماري بزعامة بريطانيا آنذاك على أساس كذبة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ” وذلك بإعلان وعد بلفور سنة 2017. وقد ساعدت بريطانيا بعد احتلالها لفلسطين العصابات الصهيونية على افتكاك أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وارتكاب المجازر البشعة في حقهم وتهجيرهم، ثم انسحبت لتمهد الطريق لهم لتأسيس كيانهم المصطنع المسمّى “اسرائيل” عام 1948 لتحتضنه فيما بعد الولايات المتحدة كزعيمة للامبريالية الدولية وتستعمله كقاعدة عسكرية متقدمة لحماية مصالحها في الوطن العربي .

وفي فترة لاحقة وقفت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة الثالوث الإجرامي أوباما – بايدن – هيلاري كلنتون في تأسيس ” داعش” معترفين فيما بعد بدورهم فضلا عما فضحته قوى من داخل أمريكا نفسها. فقد لعبت المخابرات المركزية الأمريكية دورا مباشرا في بعث داعش في فترة “الربيع العربي” الكاذب لتحارب بها القوى المعادية للولايات المتحدة والرافضة لمؤامرة الربيع العبري التطبيعي . فجاءت “داعش” لتكون “جيش البر الأمريكي” الذي يقاتل عوضاً عن أمريكا لتجنيبها الخسائر التي لم تعد تحتملها.

ويختلف الأمر جوهريا بالنسبة للمقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها فهي وليد الشعب الفلسطيني المكلوم وردّ شرعي على الاحتلال الصهيوني البغيض. وقد ضمت على مدى تاريخها عدة فصائل كانت أولها حركة فتح ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ثم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وذلك في نهاية الستينات من الفرن الماضي. وما جمع بين هذه التنظيمات رغم بعض الاختلافات بينها تمسكها بتحرير فلسطين كل فلسطين. فقد نص الميثاق الوطني الفلسطيني كما أُقرّ في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة سنة 1968: ” الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكا، ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قُدما نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه. وفي مرحلة لاحقة تكونت حركة الجهاد الإسلامي سنة 1981 وحركة المقاومة الإسلامية المعروفة بحركة حماس سنة 1987 واللتين سارتا على نفس النهج وتتفقان على تحرير فلسطين ومواجهة الكيان الغاصب. ومما جمع بين كل التنظيمات المذكورة أعلاه اتهامها من قبل الصهاينة والقوى الاستعمارية بأنها إرهابية بما يؤكد وطنيتها وممارستها حقها الشرعي والتاريخي في تقرير مصير شعبها.

لقد قامت الحركة الصهيونية كأداة للامبريالية على واجهة استعمال الديانة اليهودية المحرّفة لتبرير تجميع اليهود لاحتلال أرض فلسطين مثلما قامت داعش على أساس اعتماد كاذب للإسلام لتحوّله إلى رؤى تكفيرية لا تترك مسلما إلا قتلته، بينما أعطت المقاومة الفلسطينية نموذجا في التسامح والقيم العربية الإسلامية في الحرب والسلم .ومشاهد تعاملها مع الاسرى الصهاينة بمناسبة طوفان الأقصى أحدث برهان على ذلك. وبرزت “داعش” كنموذج للترويع والقتل والذبح ، أطفال ونساء وشباب مثل مجزرة معلولا في سوريا وسبيكر في العراق لترهيب كل الشعوب لقبول الأمر الواقع الأمريكي. وقد اتخذت داعش قدوتها من مجازر الكيان الصهيوني منذ قيامه إلى اليوم حيث قتل النساء والأطفال والشيوخ وحيث مذبحة دير ياسين ومذبحة صبرا وشاتيلا إلى حرب الإبادة الحالية في غزة واستمد أمثلته من المجازر الأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان ، في حين تواجه المقاومة الفلسطينية جيش العدو في ساحة القتال مقدمة نموذجا في البطولة والإقدام والشجاعة. ولم يتورع العدو الصهيوني عن تدمير التراث الفلسطيني والسطو على الآثار أو طمسها أو الادعاء بانتماء بعضها إليه مثلما دمرت “داعش” تراث الإنسانية في الوطن العربي على غرار الآثار الأشورية في ” نمرود” في العراق وتمثال ” أسد اللات ” في تدمر بسوريا الذي يعود تاريخه لألفي عام وذلك بتعلة أنها ترمز إلى الكفر.

ولم يعد خافيا احتضان الكيان الصهيوني للمقاتلين التكفيريين من داعش وغيرها خلال المؤامرة الدولية على سوريا حيث فتح لهم مستشفياته بل وزارهم نتنياهو ليسمع إشادتهم بالكيان الصهيوني واستعدادهم لعقد سلام تاريخي معه إثر “القضاء على نظام بشار الأسد. و من الجليّ أن “داعش” لم تهاجم يوما أمريكيا أو صهيونيا بل كل إجرامها منصبّ على الشعب العربي وقواه الحية خدمة للاستعمار الأمريكي والاغتصاب الصهيوني . كما تشترك “داعش” مع العدو الصهيوني في القتل على المباشر ، فداعش تتلذّذ بالاغتيالات المصوّرة لترهيب الشعوب ، والعدو الصهيوني يرتكب مجازره على المباشر أمام العالم بدون محاسبة . وكلاهما تحت الحماية الأمريكية ، ويقوم بما يقوم به بإمكانيات تقنية أمريكية .

وقد عرفت تونس خلال العشرية الماضية تزامنا بين محاولات قوى أجنبية فرض التطبيع وبين دعم سياسي ومالي ولوجستيكي للجماعات الإرهابية. لكن نفس الفترة شهدت قيام القوى والمنظمات الوطنية بنضالات عديدة ضد هذه المحاولات ونجحت في الحد من تأثيراتها رغم حصول بعض الأضرار وعديد التضحيات. وقد كان الاتحاد العام التونسي للشغل في طليعة هذه القوى واقفا إلى جانب المقاومة الفلسطينية بمختلف مكوناتها ما دامت تواجه الكيان الغاصب. ومن آخر مواقفه ما صرح به الأخ الأمين العام نور الدين الطبوبي في افتتاح إشغال الدورة الرابعة عشر للمجلس العام للاتحاد العربي للنقابات المنعقد بتونس يوم 11 نوفمبر 2023 من أن حركة حماس الفلسطينية التي يصفها الغرب بالإرهاب حركة مقاومة متجذرة في عمقها الفلسطيني وأن من يقتل الأطفال والنساء والشيوخ ليس من بني الإنسانية. أما عن موقف الاتحاد من الدواعش وأمثالهم فقد كان اعتداؤهم على مقره المركزي في مثل هذه الأيام من سنة 2012 خير دليل على أنهم أعداء النقابيين والوطن وحلفاء الصهيونية.

الصهاينة والدواعش وجهان لعملة واحدة
أنشره