
بقلم د. بدر السماوي – الشروق : 22 أكتوبر 2023
أثبتت صمود الشعب الفلسطيني بعد مرور أسبوعين من انطلاق عملية طوفان الأقصى فشل العدو الصهيوني في القضاء على المقاومة الباسلة . وفي ظل هذا الفشل التجأ إلى شن حرب إبادة وحشية كانت أفدح مظاهرها مجزرة مستشفى المعمداني. وها هو اليوم بصدد الإعداد لمحاولة تنفيذ أحد مخططاته القديمة وهي التهجير القسري والمتمثل في إفراغ غزة من ساكنيها ونقلهم إلى صحراء سيناء ليتقدّم في مشروعه المسمى “يهودية الدولة” النقية من “الغرباء”.
طرد الفلسطينيين من أرضهم
قامت العصابات الصهيونية ومنظماتها الإرهابية منذ العشرينات من القرن الماضي بافتكاك الأراضي الفلسطينية بالابتزاز والقتل والتهجير من الأراضي وإقامة المغتصبات فوقها (الكيبوتزات) ونقل الفلسطينيين من مكان إلى مكان قبل أن تتم أكبر عملية تهجير كبرى أولى سنة 1948 بارتكاب أبشع المجازر (مثل دير ياسين وقبية وغيرها) التي طالت القرى والبلدات والمدن حيث تم في تلك السنة تهجير 711 ألف فلسطيني تحوّلوا إلى لبنان وسوريا والأردن والضفة وغزة إلى أن كانت موجة التهجير الكبرى الثانية بعد إكمال اغتصاب كل فلسطين وسيناء والجولان في جوان 1967 حيث تم تهجير 325 ألفا من الفلسطينيين إلى الشتات .
سياسة صهيونية قارة
إضافة إلى عمليات التهجير الكبرى لم ينفك العدو يسعى إلى تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من أرضهم فقد أطرد خمسة آلاف فلسطيني من قريتي كراد الغنامة وكراد البقارة نحو سوريا بعد ارتكاب مجزرة كفر قاسم سنة 1956. وفي السبعينات من القرن الماضي طرح مشروع “الوطن البديل” لترحيل الفلسطينيين من الضفة واعتبار الأردن دولتهم لكن المشروع لم ينجح . وفي 1980 فكر بعض الصهاينة في شن حرب يتم خلالها ترحيل ما بين 700 و 800 ألف فلسطيني . وعلاوة على ذلك اهتم المخطط الصهيوني بتهجير الفلسطينيين نحو المنافي البعيدة مثل كندا وأمريكا الجنوبية واستراليا والبلدان الاسكندنافية.
لقد أصبح تهجير للفلسطينيين بالنسبة للعدو مسألة حياة أو موت بعد أن نفذت حنفية استجلاب مهاجرين صهاينة إلى فلسطين مقابل انفجار القنبلة الديموغرافية الفلسطينية حيث تعتبر نسبة التزايد السكاني لدي الفلسطينيين الأعلى في العالم وحيث تحولت غزة إلى النقطة الأكثر كثافة في العالم ب 2,2 مليون ساكن في مساحة 360 كلم مربع علما بأن عدد الفلسطينيين بلغ سنة 2021 حوالي 14 مليون .منهم 3,,2 مليون في الضفة والقدس و 2,1 مليون في غزة و 1,7 مليون في الأراضي المحتلة عام 1948 في حين يوجد 6,3 مليون فلسطيني في الأقطار العربية و 750 ألفا في بقية بلدان العالم .
حلمُ صهيوني متجدد
عرض نتانياهو على الرئيس المصري حسني مبارك سنة 2004 مشروعا يعود إلى سنة 1956 يقضي بتخصيص 1600 كلم من أراضي سيناء لبناء دولة فلسطينية مع إخلاء الضفة الغربية لكن مبارك رفضه فكرّره له نتنياهو عام 2010 فلقي نفس الرفض فما كان من الإدارة الأمريكية التي اشتكى لها نتنياهو إلا أن نصحت هذا الأخير بانتظار خليفة مبارك فقد كان الأمريكان بصدد الإعداد “للربيع العربي” المزيف . وجاء محمد مرسي لسدّة الرئاسة في غفلة من الزمن وبدعم أمريكي ليقبل بالمشروع ويعرضه سنة 2013 على محمود عباس الذي رفضه بدوره في حين شرع حكم الإخوان بتنفيذه من خلال منح 78 ألف فلسطيني الجنسية المصرية والسماح ببيع الأراضي في سيناء للفلسطينيين لكن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي أصدر قرارا بمنع بيع أو كراء أراضي سيناء لغير المصريين. وسقط المشروع مرّة أخرى ليولد من جديد مع “صفقة القرن” المشؤومة التي طرحها ترامب والتي أرادت مقايضة جزء من سيناء لمنحها للفلسطينيين مقابل أراض من النقب مع وعود بجعل الدولة الفلسطينية ” هونغ كونغ” الشرق الأوسط لكن ترامب رحل ورحلت معه صفقته .
استهداف مصر
يحاول العدو الآن بعد الضربة الموجعة التي تلقاها يوم 7 أكتوبر 2023 العودة لمخطط التهجير وتوطين الفلسطينيين في سيناء. فقد صرح قادته أكثر من مرة قبل تحرير غزة وبعد أن آلمتهم المقاومة أنهم “يتمنّون أن يستيقظوا فيجدوا غزة وقد ابتلعها البحر” . والآن يتمنّى الصهاينة أن يستيقظوا على ابتلاع سيناء لأهل غزة . ولكن هيهات ففي غزة شعب يقاوم القصف والقتل والمجازر ولا يغادر أرضه. وفي مصر شعب أبيّ خاض حروبا ضد هذا العدو وله جيش وقيادة ترفض هذه المؤامرة التي تهدّد الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي وتتهدد القضية الفلسطينية. لذلك هبّ هذا الشعب وفي تجاوب مع قيادته لرفض المشروع جملة وتفصيلا .
إن مخطط التهجير القسري لا يهدف فقط إلى تصفية الشعب الفلسطيني بل يستهدف مصر العروبة بعد انتهاجها سياسة متوازنة ترفض الهيمنة الأمريكية وتتفاعل مع بوادر نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ، فمنذ انضمت مصر لدول “البريكس”، اشتدت الضغوطات عليها وحملات التشويه ضدها وضد قيادتها التي عملت منذ إسقاط حكم الإخوان على بناء اقتصاد قوي وجيش عتيد يخشاه العدو .
لقد عجز الصهاينة وحلفاؤهم إلى حدّ الآن وبعد نصف شهر من القصف وحرب الإبادة على تهجير فلسطيني واحد نحو سيناء وسيعجزون مهما طال عدوانهم وحتى وإن مروا إلى الهجوم البري الذي سيواجه بمقاومة شرسة ستزيد من إذلالهم ويدفعهم إلى الهجرة المضادة نحو البلدان التي جاؤوا منها .