
أصدر رئيس الجمهورية يوم 26 جانفي الماضي مرسوما ينص على منح طرح كلي أو جزئي لمبالغ خطايا التأخير المستوجبة والموظفة على الاشتراكات التي تم دفعها بعد تاريخ حلولها بعنوان أنظمة الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية. وينتقع بهذا الإجراء المنخرطون في أنظمة العملة الأجراء في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي والعملة غير الأجراء في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي المدينون للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمبالغ خطايا التأخير على شرط قيامهم بخلاص أصل الدين دفعة واحدة أو على أقساط شهرية.
ويمكن تعليل اتخاذ هذا الإجراء في هذا التوقيت بالذات إلى السعي إلى مساندة المؤسسات الاقتصادية لتخطي الصعوبات الناجمة عن الظروف الاستثنائية التي شملت أغلب القطاعات من جراء تداعيات جائحة الكوفيد 19 بما يمكنها من خلاص ديونها والمحافظة على مواطن الشغل بها. كما قد تعود إلى حرص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لاستخلاص مستحقاته المتخلدة بذمة المؤسسات والأشخاص المدينين بالطرق الرضائية للتمكن من خلاص ديونه وضمان مواصلة إسداء المنافع لمنظوريه في هذه الظروف التي تشهد نقصا في السيولة. غير أن ما يعاب على هذا الإجراء أنه يمتد على كامل الفترة السابقة للثلاثية الثالثة لسنة 2021 في حين أن الجائحة لم تبدأ إلا خلال الثلاثية الثانية من سنة 2020.
كما يعاب عليه تمكين المدينين المنخرطين في أنظمة العملة الأجراء في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي من جدولة دفع الاشتراكات المتأخرة على أقساط دون التمييز بين اشتراكات المؤجرين التي يمكن تفهم أسباب عدم تسديدها في آجالها وبين اشتراكات الأجراء التي تعتبر أمانة وجب إيداعها حال اقتطاعها من الأجور. لذلك فإن الثغرات المذكورة أعلاه من شأنها أن تشجع المنخرطين على التراخي في دفع اشتراكاتهم في آجالها وقد توحي لهم بأن الإجراءات أضحت دورية خاصة وأنها تكررت خلال العقدين الماضيين خمس مرات وذلك سنوات 2002 و2008 و2011 و2014 و2017 أي بمعدل إعفاء كل أربع سنوات.
ومع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية كل إجراء يساهم في دفع المدينين إلى تسوية ديونهم خاصة أن المرسوم نص على شروط أكثر يسرا بالنسبة للعملة غير الأجراء مقارنة مع المؤجرين مما يضفي عليه النزعة الاجتماعية. كما أن العمل من خلال هذا الإجراء على توفير السيولة ولو لفترة محددة سيساعد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على تسديد ديونه تجاه الصندوق الوطني للتأمين على المرض والتي بلغت 5000 م د في نهاية سنة 2021. لكن الدولة التي أصدرت هذا المرسوم كان عليها إعطاء المثل بتسديد ديونها تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي تجاوز مبلغها 1000 م د في نهاية سنة 2021. ولئن كان استخلاص الديون لا يقلص من العجز بل يوفر السيولة لا غير فإن مخاطر الإجراءات قد تكون آثارها سلبية على المدى المتوسط والبعيد فقد يعتبرها البعض بمثابة تشجيع للمتلددين وعقوبة للملتزمين بواجباتهم. كما قد تساهم على المدى البعيد في اتساع هوة العجز الذي يعاني منه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من سنة لأخرى حيث أنه من المتوقع أن يصل إلى 2192 م د بسبب ارتفاع المقابيض المتوقعة بنسبة 7 بالمائة مقابل ارتفاع النفقات المتوقعة بقرابة 12 بالمائة نتيجة الارتفاع المتواصل لنفقات الجرايات بنسبة 13 بالمائة.
لذلك من الملح التفكير في حلول لتجاوز هذه الوضعية الحرجة مثل توسيع قاعدة المنخرطين من خلال إدماج القطاع غير النظامي وتدعيم جهاز المراقبة والعمل على حصول الصندوق على نصيبه من المساهمة الاجتماعية التضامنية. ولا بد من إصلاح أنظمة الجرايات على غرار ما حصل في القطاع العمومي سنة 2019 خاصة أن الجرايات تستحوذ على أكثر من 90 بالمائة من نفقات الصندوق.
د. بدر السماوي : الشروق – 11 فيفري 2022 – ” نافذة على الوطن”