
بقلم آمال كريدة
عضو المكتب الوطني للمنظمة التونسية للطفل
صدر هذا المقال بجريدة الشروق يوم الثلاثاء 25 ماي 2021
حملت إلينا الأخبار خلال هبة القدس أرقاما مفزعة حول العدد المرتفع للأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا هذه الأيام على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني مما يستوجب طرح موضوع الطفل الفلسطيني بصفة حصرية. فهل يعيش الطفل الفلسطيني طفولته كباقي أطفال العالم؟ وهل يتمتع بحقه في الحريّة والحياة الكريمة والحماية والرعاية الصحية والتعليم والترفيه والأمان كما أقرّت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1989 ضمن اتفاقية حقوق الطفل؟ وهل كانت هذه الاتفاقيّة التي وقع عليها الكيان الصهيوني سنة 1991 رادعا له؟
تثبت الممارسات الوحشية والهمجية للكيان المحتل في كلّ يوم انتهاكه لحقوق الإنسان باستهدافه للأطفال الفلسطينييّن وإمعانه في التنكيل بهم وذلك بحرمانهم من أبسط متطلبات الحياة وبتشريدهم من ديارهم وباعتقالهم وإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم بدم بارد. فهو الكيان الوحيد في العالم الذي يحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية حيث تتم محاكمة ما بين 500 إلى 700 طفل سنويا وتصل الأحكام إلى المؤبد أحيانا إضافة إلى الغرامات المالية، وقد تم من سنة 1967 حتى سنة 2020 اعتقال نحو 50 ألف طفل فلسطيني وكانت أغلب التهم الموجهة لهم إلقاء الحجارة . ويتعرض الأطفال المعتقلون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي إذ يتم حرمانهم من الأكل والنوم والنظافة والرعاية الصحية والزيارات العائلية يهدف تحطيم معنوياتهم وترهيبهم وإذلالهم وإرغامهم على الاعتراف بذنب لم يقترفوه سعيا إلى إعادة تشكيل ملامح طفل فلسطيني مهزوز ومهزوم ومجرد من هواجس قضيته وروابط انتمائه لوطنه.
ولا يتورع هذا الكيان عن ارتكاب المجازر والجرائم بحق هؤلاء الأبرياء فمن منّا لم يشاهد جريمة قنص وقتل محمد الدرة وهو بين حضن أبيه واغتيال الرضيعة إيمان حجو التي اخترقت جسدها شظية لقذيفة دبابة وهي بحضن أمها. ومن منّا لم يعلم بجريمة حرق المستوطنين الطفل محمد أبو خضير حيّا، علما أن قائمة جرائم الجيش الصهيوني والمستوطنين بحق الأطفال كما بقية الشعب الفلسطيني طويلة. فقد قتل الصهاينة417 طفلا سنة 2008 و 546 طفلا سنة 2014 واستشهد 46 طفلا في مسيرات العودة سنة 2018 وأصيب 3691 طفلا من بينهم من وصفت إصابته بالإعاقة الدائمة. أمّا في معركة ” سيف القدس”التي خاضها الشعب الفلسطيني خلال الأسابيع الأخيرة فقد استشهد 66 طفلا من جملة 248 شهيدا أي ما يمثل ربع الشهداء بل إن طفلا استشهد وعمره يوم واحد وهو معطى كاف وحده لإدراك مدى وحشية هذا الكيان.
ويتعمّد جيش الاحتلال التصويب نحو الرأس بالرصاص الحي في مواجهة أطفال عزّل وإبادة عائلات بأكملها وهذه إستراتيجية ثابتة في العقيدة الصهيونية ومخطط لضرب المخزون الاستراتيجي للشعب الفلسطيني عملا بمقولة غولدا مائير رئيس وزراء الكيان الصهيوني سابقا : ” كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلا فلسطينيا على قيد الحياة “. لكنّ أطفال فلسطين الأسطورة بقوا رغم أنفها وأنف كل الصهاينة صامدين ولم يتوقفوا عن المقاومة وأجبروا العدو أكثر من مرة على التقهقر مؤكدين فشله وهكذا علّموا البشريّة دروسا في حبّ الأوطان وسطّروا ملاحم بطوليّة من أجل استرجاع أرضهم وصون كرامتهم.
إن الوجه الأول لحياة الطفل الفلسطيني مليء بالدموع والجراح والآلام لا محالة بسبب إرهاب الاحتلال الصهيوني، لكن وجهه الثاني كله إرادة وأمل بعد أن فجر هذا الطفل بسواعده التي لا تحمل سوى الحجارة أعظم الانتفاضات في العالم وسطر بصموده وشجاعته أروع البطولات فتحول إلى رقم صعب في معادلة الصراع العربي الصهيوني.
ونظرا لما يتعرض له الطفل الفلسطيني من انتهاك لحرمته الجسدية والنفسية وخاصة خلال العدوان الأخير فإن من واجب كلّ الوطنييّن الشرفاء ومؤسسات حماية الطفولة والمجتمع الدولي بذل الجهود من أجل إنقاذ الطفولة في فلسطين وفضح ممارسات الاحتلال في كلّ المنابر والضغط من أجل الإفراج عن الأطفال المعتقلين والعمل على محاكمة مجرمي الحرب منتهكي حقوق الطفل الفلسطيني.