
بقلم الحبيب السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 23 جويلية 2021
قضيت عيد الإضحى المبارك وأنا كسائر المصابين بالكوفيد تحت مكثف الأكسيجين الوديع الذي أصبح هذه الأيام عملة نادرة في سوق الكراء وارتفع ثمنه وتقلص مخزونه بالمؤسسات الصحية مما هدّد حياة البعض من المصابين وحصد أرواح البعض الآخر.
ومادة الأوكسجين التي تعرفنا عليها خلال دراستنا لمادة الكيمياء في المرحلة الثانوية لم نكن ندرك وقتها أهميتها حتى جاءت الجائحة لتكشف عن سوء تقديرنا لضرورة توفير هذه المادة وتحثنا على الوعي بواقع منظومتنا الصحية بما أصابها من وهن سواء على مستوى البنية التحتية أو اختلال الخارطة الصحية أو التراجع الكبير في عدد التجهيزات وعدم صيانتها أو في مجال عزوف الإطارات الطبية وشبه الطبية ونزوحهم إما إلى القطاع الخاص أو إلى خارج البلاد.
لقد كشف موضوع نقص الأكسيجين ومختلف التفاعلات التي رافقته مدى تردي الوضع الصحي في البلاد الذي توج عشرية كاملة من العبث السياسي بسبب عدم الاستقرار تعاقب خلالها على رأس وزرة الصحة ثلاثة عشر وزيرا بما يبين مساوئ النظام السياسي ما بعد 2011 وانعكاسه الكارثي على الوضع الصحي. وها هو رئيس الحكومة يساهم في الارتجالية في أبرز مظاهرها حيث يقرر تسخير المؤسسات الصحية الخاصة لإيواء مرضى الجائحة بصفة عشوائية وهو قرار ينم عن شعبوية وتملص من المسؤولية لأن طاقة المؤِسسات الخاصة محدودة علاوة على توزيع جغرافي غير متكافئ سيكون على حساب المناطق الداخلية. ثم يقوم يوم عيد الأضحى بإقالة وزير الصحة ويعين مكانه وزيرا بالنيابة في بلاد تعيش جائحة صحية راضخا بذلك لحركة النهضة التي بصدد الترويج لوزيرها السابق وكأنه المهدي المنتظر في حين أنه أمسك بمقاليد الوزارة ما يناهز على ثلاث سنوات أي ما يقارب ثلث العشرية دون اعتبار سنة أخرى لوزير آخر من نفس الحركة دون أن يشهد الوضع الصحي تحسنا.
ورغم عبث حكامنا بشعبهم فقد تهاطلت على تونس العديد من الهبات والمساعدات الطبية وغير الطبية بفضل الرصيد الدبلوماسي للدولة الوطنية لذلك لم يكن من الصدفة أن تكون في مقدمة البلدان التي هبت لنجدتنا الجزائر ومصر. كما بينت مبادرة شركة الفولاذ في إنتاج الأكسيجين قدرة الكفاءات التونسية على إيجاد الحلول في الظروف الصعبة مؤكدة مرة أخرى الدور الوطني للمؤسسات العمومية التي ما انفك البعض يشكك فيها في سعي لتبرير التفويت فيها. غير أن هذه المساعدات والمبادرات على أهميتها تبقى ظرفية ولا يمكن أن تضمن حلولا على المدى البعيد ذلك أن العارفين بصيغة الخطط التنموية الملائمة لأي إشكالية مطروحة يدركون ضرورة أن تكون الإجراءات العاجلة مصحوبة بإجراءات آجلة. ويتمثل أهم إجراء لتجاوز الارتجالية بناء وحدة أولية لصنع مادة الأوكسجين يوفر هذه المادة للمؤسسات الصحية ويبعث مواطن شغل جديدة ويدعم سيادتنا الوطنية ولا تنقصنا في هذا المجال الكفاءات وأولهم الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل. كما أصبح في هذه الأوقات الأمن الصحي جزء من الأمن القومي مما يفرض على مجلس الأمن القومي أن يكون في حالة انعقاد دائم لمعالجة جائحة الكوفيد بالتوازي مع خلية الأزمة المتواجدة بوزارة الصحة التي يجب عليها أن تحذر من المتاجرين بآلام الشعب وفي مقدمتهم حركة النهضة التي بصدد توزيع المساعدات على المصابين باسم الحركة في مخالفة صريحة للفصل 18 من مرسوم تنظيم الأحزاب السياسية لسنة 2011 الذي ينص على أنه ” يحجر على كل حزب سياسي تقديم أية امتيازات مالية أو عينية للمواطنين أو للمواطنات”.
لقد شعرت وأنا تحت مكثف الأوكسجين في هذا العيد أن تونس برمتها تعيش تحت مكثف الأوكسجين وفي حاجة ماسة للإنعاش ليس فقط الطبي بل السياسي والاقتصادي حتى تخرج من هذا النفق وتعود الحياة إلى سالف نسقها مثلما بدأت تعود في عدة بلدان بفضل حسن إدارة المسؤولين فيها للأزمة وولائهم لأوطانهم.