مسلسل الأحداث
تابع الرأي العام بكل ألم ما حصل من صدام مؤخرا بين عرش “الحوايا” في بني خداش و عرش “المرازيق ” في دوز والذي تميز باستعمال أسلحة الصيد المختلفة والكلاب الشرسة واستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية كانت حصيلته سقوط ضحيتين وأكثر من مائة جريح بعضهم جراحهم خطيرة وأغلبهم تطلبت حالتهم الإقامة بالمستشفيات. وهي سابقة خطيرة تجاوزت ما حصل سابقا في هذه المنطقة بالذات مثل صدامات سنة 2002 أو في مناطق أخرى من الجنوب. ويعود السبب هذه المرة إلى ترويج إشاعات من قبيل أن المنطقة ستشهد اكتشافات بترولية واستثمارات واسعة مما يستوجب الإسراع بحسم ملكيتها. وهو ما دفع كل طرف إلى محاولة بناء مستودعات وبيوت قصديرية والإقامة في المنطقة لتثبيت الملكية ومن ثم حاول كل طرف حرق ممتلكات الطرف الآخر. وهكذا بدأ التحشيد واندلعت المواجهات.
والغريب في الأمر أن مؤسسات الدولة غضت الطرف على تنقل جماعات بأعداد كبيرة لمسافة عشرات الكيلومترات وصولا إلى المنطقة المتنازع عليها عبر السيارات والشاحنات حاملين العصي والمقذوفات بل ومختلف الأسلحة ولم تتدخل بصورة فعالة إلا بعد خمسة أيام كاملة حيث أعلنها الجيش الوطني منطقة عسكرية مغلقة.
التاريخ والجغرافيا
”العين السخنة” هي بئر عميقة وليست “عينا” وهي من مخلفات عمليات تنقيب عن البترول سابقة منذ بداية الألفية لم تصل إلى نتيجة ايجابية.
وتحتوي هذه البئر على مياه كبريتية استعملها الأهالي في كامل منطقة الجنوب للاستشفاء والتداوي وتقع على بعد حوالي 60 كيلومترا من مدينة بني خداش من ولاية مدنين وحوالي 80 كيلومترا من مدينة دوز من ولاية قبلي على حدود منطقة “الظاهر” وهي سهل فسيح يستعمل في الرعي.
وهذه المنطقة أرض اشتراكية مثلها مثل عدة مناطق في الجنوب التونسي تتداخل فيها الملكية بين عدة قبائل وعروش وبقيت قنبلة موقوتة قابلة للانفجار منذ عهد الاستعمار في ظل الخلافات حول ملكيتها بين الأهالي. ورغم سعي الدولة الوطنية إلى حسمها وتحديد ملكيتها إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالجدية والروح الوطنية المطلوبة وفي كل مرة تندلع صراعات تصل حد المواجهة والصدام ينتج عنها في الغالب ضحايا بشرية تعمق الجراح وتزيد من لهيب نار الخلافات.
مخطط الفتنة في “العين السخنة” يحترق
إن ما جرى بين أهلنا في بني خداش وبين أهلنا في دوز لم يكن مجرد صدفة بل كان هدفه دق إسفين بين أبناء شعبنا وشباب الجهتين المفعم بالروح الوطنية وبالإخلاص للوطن وبالوفاء لشهداء الحركة الوطنية. فقد كانت المنطقتان من أهم قلاع الحركة الوطنية في الجنوب التونسي بل هي موطن المقاومة المسلحة وشارك أبناؤهما في المعارك الوطنية الكبرى ومن أهمها معركة رمادة التي ارتقى فيها شهيدا القائد مصباح الجربوع وكذلك القائد محمد قرفة الذي أعدمه الغزاة الفرنسيون. كما أن المنطقتين معروفتان بأنهما موطن العروبة والشعر والكرم والشهامة.
ورغم ذلك فقد كان نصيبهما التهميش وغياب التنمية والفقر والخصاصة والبطالة طوال عقود متتالية. ولم تتلقيا بعد 2011 سوى الوعود الكاذبة مع إغراقهما بالجمعيات المشبوهة الأجنبية والمحلية التي توزع بعض الفتات حتى توظفها سياسيا لفائدة منظومة ما بعد 2011 وخاصة أحزاب “الإسلام السياسي”.
ورغم كل ما حدث فان الروح الوطنية والوحدة هي التي سادت في النهاية بين الجهتين ويقع العمل الآن على رأب الصدع وتغليب صوت الحكمة والعودة إلى التعاون وتقاسم المنافع في المنطقة المتنازع عليها من رعي وزراعة وهو ما أفشل مخطط الفتنة المبيتة والتي اعتقد واضعوه أنّ لهيب هذا الصدام ستمتد خلال بضعة أيام فقط إلى كامل منطقة الجنوب بانضمام قبائل وعروش أخرى حليفة أو قريبة من هذا الطرف أو ذاك لتنفيذ مخطط أوسع يستهدف فصل منطقة الجنوب التونسي عن البلاد وإخراجها عن سيطرة الدولة وتوظيفها في ما بعد للتحكم في الأوضاع في كل من الجزائر وليبيا بحكم موقعها الاستراتيجي في كامل المغرب العربي وخاصة منطقة الصحراء الكبرى ومنابع النفط والغاز. وتلعب التنظيمات المسماة إسلامية في المنطقة دورا أساسيا في هذا المخطط مما يستوجب شحذ اليقظة والتمييز بين الاحتجاجات العفوية والمخططات المفتعلة والدخيلة.