بقلم: الحبيب السماوي – الشروق : 15 جوان 2022
أصبح الموعد السنوي لإجراء امتحان الباكالوريا موعدا مع الكشف عن طرق جديدة ومبتكرة في الغش تديرها عصابات مختصة مما يساهم في بث حالة ذعر لدى الأسر ويحبط عزائم المجتهدين ويشكك في قيمة الشهادات. وقد تم خلال الأيام الماضية إلقاء القبض على عصابات مختصة في تزويد المترشحين بأجهزة لاسلكية وسماعات ذات تكنولوجيا متطورة تستعمل باستخدام شفرات نداء مختلفة للغش مما طرح عديد التساؤلات حول سبب اللجوء إلى الغش كسبيل للنجاح والحصول على الشهائد عوض الاعتماد على الذات وعلى المكتسبات المعرفية.
إن الاختبار يمثل أداة لقياس معارف التلميذ وفحصها للتأكّد من مدى إتقانه للمعلومة التي تلقاها أو المهارة التي اكتسبها طيلة مسيرته الدراسية. ولا شك أن مسار الإعداد للامتحان الوطني للباكالوريا طريق مضنية للتلميذ تتوج مرحلة كاملة تنتهي بالحصول على جواز الدخول إلى مرحلة التعليم العالي تتكبد خلالها الأسرة كما هائلا من التضحيات بتخصيص جانب هام من مدخولها للمصاريف العادية الضرورية وكذلك للدروس الخصوصية التي أصبحت أمرا مفروضا إلى جانب الجهد الموجه للإحاطة. وقد تحول هذا السلوك المفرط إلى ضغط نفسي إضافي على التلميذ وعلى الأسرة بما يمثله من تناقض مع شعار مجانية التعليم في ظل عجز الفئات الفقيرة وحتى المتوسطة على توفير مستلزمات الدراسة سواء في التعليم العمومي أو في التعليم الخاص.
لقد أسقط اللجوء إلى أساليب جديدة في الغش ودفع المال كطريق للنجاح باعتماد شعار ” الغاية تبرر الوسيلة” كل القيم التي تربى عليها الآباء والأبناء. ولكن أية غاية هذه التي تخول الحصول على شهادة علمية دون تملك أي مكتسبات علمية… إنّ الانقياد لهذه الحلول السهلة والمنافية لكل الأخلاق والأعراف يكشف مرة أخرى فشل المنظومة التربوية في تمكين التلميذ من التحصيل العلمي والمعرفي وفي ترسيخ القيم المبنية على الاعتماد على الذات وعلى حقوق المواطن وواجباته تجاه شعبه ووطنه فيصبح التلميذ غير قادر حتى على إجراء اختبار.
وقد بينت دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة سنة 2018 أن حوالي 34 بالمائة من الأطفال في سن 7-14 سنة لا يمتلكون المهارات الأساسية في القراءة وأن 72 بالمائة لا يمتلكون المهارات الأساسية في الحساب. كما كشفت هذه الظاهرة علاقتها بما يجري على الساحة الوطنية. ومثلما يقول المثل العربي ” كيف يستقيم الظل والعود أعوج” فإن عدة انحرافات اجتماعية قد تكون انعكاسا للمناخ السياسي والاقتصادي العفن الذي ساد خلال العشرية الأخيرة فهؤلاء التلاميذ دخلوا إلى المدرسة الإعدادية بعد سنة 2011 فشاهدوا ظاهرة الغش واستعمال المال الفاسد لوصول نواب إلى مقاعد البرلمان وتابعوا انتشار العقلية الانتهازية والوصولية في صلب بعض هياكل الدولة وعاينوا سيطرة أباطرة التهريب على مفاصل الاقتصاد مما يدعو اليوم إلى إيلاء مهمة القضاء على مختلف أشكال الغش والتحيل الأولوية القصوى ليس بالاعتماد على الأساليب الزجرية بل بالتوجه نحو تطوير العلاقة بين مثلث المربي والتلميذ والأسرة في اتجاه تدعيم القيم الأصيلة ومن أجل معالجة ظواهر أخرى لا تقل خطورة مثل تعاطي المخدرات والانقطاع المبكر وممارسة العنف بشكليه اللفظي والمادي في كل الاتجاهات.
أما من جانب الحكومة الحالية فلا بد من التنويه بجهود عدة هياكل مثل وزارات التربية وتكنولوجيا الاتصال والداخلية في التصدي للغش مما يبعث على الأمل في أن تمتد قرارات 25 جويلية إلى المجال التربوي وتشرع في إصلاحه من كافة جوانبه بما في ذلك غرس القيم النبيلة والاهتمام بالتلميذ بصفته محور العملية التربوية ورد الاعتبار للمربي بهدف ترسيخ ثقافة العمل والكد والجد بعيدا عن التواكل واللقمة الباردة وارساء دولة القانون والعدل والمساواة الفعلية.