الفقيد علي الوهيبي: حياة الكرام وموت العظام

بقلم نوال العربي، قفصة – الشروق : 04 افريل 2022

شهد يوم 26 مارس 2022 ترجل المقاوم المقدام علي بالحاج الوهيبي نسبة لعرش اولاد وهيبة بقرية منزل ميمون بقفصة الشمالية وهو من القادة الكبار في قيمته السياسية والعسكرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي وفي دوره في إطلاق ما سمي ب” المعركة الأخيرة” التي تم الإعلان عنها في المؤتمر السرّي للحزب الحر الدستوري الجديد المنعقد يوم 18 جانفي 1952.عاش فقيدنا يتيم الأم ولم يتجاوز الأربعة أشهر، وكان منذ نعومة أظافره مغرما بالصيد مما أهّله ليكون أمهر القناصة خلال المعركة المسلحة. وهو من القادة الستة الذين أطلقوا شرارة الثورة المسلحة ضد المستعمر في جهة قفصة وخاضوا عدة معارك ببسالة بين سلسلة جبال قفصة والقصرين وسيدي عيش. وقد وقع تشكيل النواة الأولى للكفاح المسلح في الجهة بمنزل الحسين بوزيان خلال اجتماع سري حضره الفقيد إلى جانب أحمد التليلي ولزهر الشرايطي الذي عاد للتو من فلسطين بعد أن تطوع للتصدي لاغتصابها سنة 1948. ومن أشهر المعارك التي خاضها الفقيد علي الوهيبي معركة حامية الوطيس في سيدي عيش دامت أربعة أيام من 20 نوفمبر إلى 23 نوفمبر 1954 حيث رغب خلالها المجاهدون تركيع فرنسا وإجبارها على تنفيذ وعودها بمنح الاستقلال بعد أن تطورت الفصائل المسلحة في تلك الربوع وأصبحت بمثابة جيش موحد سمي جيش التحرير التونسي.

وقد شاءت الأقدار أن يفارق الفقيد الحياة في شهر مارس وهو نفس الشهر الذي فارق فيه رفيقه في السلاح الحسين بوزيان الحياة وكأنه أراد أن يؤكد أن شهر مارس هو الشهر الذي تحقق فيه استقلال البلاد. كما شاءت الأقدار أن يتوفى في نفس اليوم من سنة 1952 وهو اليوم الذي تم فيه إبعاد مدير الحزب الحر الدستوري التونسي الحبيب بورقيبة إلى رمادة. وقد أوصى المرحوم بأن يشيع جثمانه ملفوفا بالعلم الوطني وبأن توضع فوقه ” مكحلته ” أي بندقيته التي لم تفارقه في حياته وأن يتم إطلاق الرصاص حال خروج جثمانه من المنزل وحين يوارى الثرى. ورغم هذه الرسائل الرمزية فلم تحظ شخصية بهذا الحجم بأي اهتمام رسمي حيث لم يحضر أي مسؤول جنازته ولم يقع تأبينه.

الحقيقة أن التنكر لتاريخ البلاد وتجاهل المقاومين الذين ضحوا بحياتهم أو بمهنهم أو بممتلكاتهم استفحل بشكل كبير منذ سنة 2012 بل كان توجها واعيا من قبل الترويكا بزعامة حركة النهضة واتخذ أقذر صوره لاحقا بمناسبة ما سمي بحصص الاستماع التي نظمتها ما سمي بهيئة الحقيقة الكرامة التي كانت الراعي الرسمي لحملة تزييف تاريخ البلاد وتشويه صورة الرئيس الحبيب بورقيبة الذي قاد معركة التحرير رفقة العديد من القادة الوطنيين مثل فرحات حشاد وصالح بن يوسف والهادي شاكر. وقد وصل الأمر بالبعض ممن حكموا بعد 2011 بأن أنكروا وثيقة الاستقلال مستخفين بنضالات الشعب التونسي وبتضحيات قادته وبدماء شهدائه مما جعل الأستاذ المؤرخ محمد الهادي التيمومي يكتفي بالتعليق بأن هذا الادعاء فضيحة لا تستحق الرد. لقد كان الفقيد علي الوهيبي قدوة في التضحية خلال معركة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي وكذلك خلال فترة الدولة التونسية المستقلة فلم يطلب أية تعويضات لنفسه أو لأبنائه بل إنه ساهم في إنشاء مرافق عمومية في عدة مجالات مثل الصحة والتعليم بقريته ومسقط رأسه. لذلك فإن من واجب المسؤولين السياسيين والمؤرخين اليوم إنصاف الفقيد وأمثاله من المقاومين بتوثيق نضالاتهم والتعريف بها حتى يتداولها الشباب ويفخر بتاريخه ويتشبع بالروح الوطنية. ويمكن مثلا إدراج أسماء المقاومين والشهداء في كتب التاريخ المدرسية في مختلف المستويات كما تم في الجزائر الشقيقة وتكريم من لا زال منهم على قيد الحياة أو عبر أبنائهم أو أحفادهم. ولا بد أن تتكفل الدولة بهذه المشاريع رغم ـأن عائلات بعض المقاومين بادرت بالقيام بالمهمة مثلما فعل مؤخرا ابن المقاوم الراحل أحمد المحفوظي في قرية النصر من معتمدية المكناسي مع عدد آخر من أبناء المقاومين بتهيئة متحف أطلقوا عليه اسم ” أحبك أبي المقاوم”.

إن مسار التخلص من تركة عشرية الخيانة والعمالة ورفض الاستقواء بالأجنبي والحرص على التمسك بالسيادة الوطنية الذي لاحت بوادره منذ 25 جويلية لا بد أن يكون مدعوما بصفة واضحة بالاعتزاز بتاريخ البلاد والاعتراف باستقلالها وتكريم مقاوميها.

الفقيد علي الوهيبي: حياة الكرام وموت العظام
أنشره
الموسومة على: