
سيكتب التاريخ أن 17 مارس 2022 كان يوما مشهودا في تاريخ قبلي تزامن فيه النضال الاجتماعي مع النضال الوطني والقومي على الدرب الذي رسمه مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل الزعيم فرحات حشاد. ففي نفس الوقت الذي كانت تجري أشغال المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بقبلي كانت قرية ” تنبيب” التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن وسط المدينة تشيع جثمان ابنها البار فيصل بنعون الذي توفي عن سن تناهز الستين عاما بعد أن قضى منها ما يناهز 23 عاما مقاتلا ضمن المقاومة الفلسطينية.
فقد اتبع فيصل وهو في السادسة والعشرين من عمره الطريق الذي سار فيه أجداده سنة 1948 عندما لبوا نداء الواجب فتوجهوا مشيا على الأقدام للتصدي لاغتصاب فلسطين وانتهج طريق المئات من التونسيين في مراحل أخرى ومنهم من استشهد بعد أن كبدوا العدو الصهيوني خسائر فادحة وبينوا أن قضية فلسطين تسكن قلوب التونسيين. فقد اختار فيصل الانضمام إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، بقيادة المناضل أحمد جبريل رحمه الله التي احتضنته ودرّبته فكان عند حسن ظنها فارتقى إلى مراتب عليا في صفوفها وأصبح يُشرف على قيادة عمليات نوعية في جنوب لبنان مثل قيامه بأسر قيادي في جيش لحد العميل في جنوب لبنان المعروف باسم الرقيب سمير ومثل مشاركته في عملية ” العيشية” التي استشهد فيها الشاب التونسي ابن مدينة قابس فيصل الحشائشي في جويلية 1993. وليس غريبا أن تنجب قبلي هذا البطل وهي التي أبلى أبناؤها البلاء الحسن في مقاومة كل اشكال الاستعمار فكانوا في مقدمة المعارك سواء منها في مرحلة مقاومة الاستعمار الفرنسي أو في المعارك التي خاضتها الأمة ضد الامبريالية والصهيونية في ليبيا والعراق وسوريا وغيرها والتي كان الاتحاد العام التونسي للشغل يدعمها ويؤطر التحركات المساندة لها. وقد احتضن الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي العديد من التظاهرات حول القضية الفلسطينية بإلقاء المحاضرات وتعليق المعارض والتنشيط الثقافي عبر دعوة شعراء أو فرق ملتزمة بالقضايا الوطنية وفي مقدمتها فرقة الكرامة.
وحيث لا يمكن تعداد كل الأنشطة التي قام بها الاتحاد الجهوي نكتفي بذكر بعضها مما توفرت حوله وثائق منشورة في جريدة الشعب. ومن بين هذه التحركات تلك التي قامت بها الجهة في بداية شهر جانفي 2009 تنديدا بالعدوان الصهيوني على غزة حيث جابت المدينة مسيرة حاشدة يوم 3 جانفي تحت شعار ” يوم غزة ” وانتهت الى مقر المستشفى الجهوي لتسهيل عملية التبرع بالدم. ونظم أساتذة التعليم الثانوي بسوق الاحد مسيرة يوم الأربعاء 7 جانفي وتلتها مسيرة يوم 8 جانفي نظمتها النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بقبلي الشمالية. وفي اليوم نفسه انطلقت مسيرة بمدينة دوز. كما تولت الجهة تجميع تبرعات من الادوية يوم 10 جانفي ثم كمية ثانية يوم 14 جانفي 2009. وليست هذه الأنشطة سوى عينة بسيطة سبقتها وتلتها أنشطة أخرى برهنت على علاقة قبلي بفلسطين كما علاقة كل ربوع تونس بها.
إن ما قام به الفقيد فيصل من عمليات فدائية على أرض المعركة يمثل قمة البطولة والتضحية. ورغم ذلك فقد كان حتى بعد عودته إلى تونس سنة 2012 متواضعا بسيطا في عيشه إلى حين إصابته بالمرض الخبيث الذي تمكّن منه منذ بضعة أشهر فقط بعد أن عجز عنه رصاص العدو الصهيوني على مدى سنوات, ولئن كانت كل نفس ذائقة الموت وأن لا مردّ لمشيئة الله فإن الواجب يقتضي الإشادة بالمجهودات الكبيرة التي بذلتها الإطارات الطبية وشبه الطبية بالمستشفى الجهوي بقبلي رغم محدودية الإمكانيات وبالمستشفى الجامعي الهادي شاكر بصفاقس وكذلك بما قدمه المسؤولون النقابيون بالاتحاد العام التونسي للشغل من خدمات ومساعدات منذ شهر جانفي الماضي بداية من المكتب التنفيذي الوطني ممثلا في شخص الأمين العام المساعد آنذاك الأخ عبد الكريم جراد مرورا بالمكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي بصفاقس عبر الأخوين يوسف العوادني وحمادي المصراطي وصولا إلى النقابة الأساسية بالمستشفى بمتابعة ميدانية من الأخ سهران العمري وكأنهم أرادوا ردّ الجميل لمن كان رفيقا لشهداء جهة صفاقس من أجل فلسطين وهم عمر قطاط ورياض بن جماعة وبليغ اللجمي ولبقية الشهداء.
وإذ نستعرض اليوم خصال فيصل كعبرة لنا وللأجيال الشابة التي لم تواكب مسيرة دعم تونس والاتحاد العام التونسي للشغل لفلسطين، وإذ نترحم على روحه الطاهرة فإن الواجب يقتضي توجيه نداء إلى السلطات الجهوية للعناية بعائلته ولم لا المبادرة بإطلاق اسمه على إحدى شوارع مدينة قبلي وكذلك دعوة المسؤولين النقابيين في الجهة لتكريمه عبر إقامة التظاهرات للتعريف بنضاله وبالقضية الفلسطينية وبتاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل المشرف في هذا المجال.
بقلم د. بدر السماوي – جريدة ” الشعب – 24 مارس 2022