المجلس النيابي : طفح الكيل …

بقلم الحبيب السماوي

 نشر بجريدة الشروق في عددها بتاريخ 7 أوت /آب 2021

        يقال ” طفح الكيل وبلغ السيل الزبى” للتعبير على أن الوضع أصبح لا يطاق وهو ما ينطبق على مجلس نواب الشعب الذي نزل إجراء تجميده ورفع الحصانة البرلمانية على نوابه يوم 25 جويلية الماضي بردا وسلاما على نفوس التونسيين. فقد حاد هذا المجلس عن المبادئ التي تظاهر من أجلها آباؤنا يوم 9 أفريل 1938 وسقط من أجلها الشهداء فأصبح يسن قوانين لا تتلاءم مع القرار الوطني المستقل وتخرق اليمين التي أداها أعضاؤه حسب الفصل 58 من الدستور ” أقسم بالله العظيم أن أخدم الوطن بإخلاص وأن التزم بأحكام الدستور وبالولاء التام لتونس”.

     وقد تزعمت كتلة حركة النهضة خرق القسم عبر تمرير قوانين منتهكة للسيادة الوطنية وآخرها مشروع قانون اتفاقية لتركيز مقر لصندوق قطر التنمية بتونس رغم الانتقادات التي رافقت عرضه على المجلس ومن أهمها عدم جواز إبرام اتفاقية بين دولة ومؤسسة مالية فضلا على الدور الذي لعبته الدولة التي ينتمي لها هذا الصندوق في نشر الخراب خلال العشرية الأخيرة وتمويل العصابات الإرهابية في عدة أقطار عربية وزعزعة استقرارها مثل سورية ومصر وليبيا. كما رفض هذا المجلس في خضم ملحمة سيف القدس تمرير قانون مشروع تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني مثلما فعل قبله المجلس التأسيسي ومجلس نواب الشعب المنتخب سنة 2014 علما أن حركة النهضة كانت القاسم المشترك فيها تحت حجج واهية منها غياب تشريع عربي حول هذا الموضوع. هذا وقد كنت دحضت ذلك على أعمدة جريدة الشروق في مقالي الصادر بتاريخ 7 جوان الماضي تحت عنوان ” التطبيع بند راسخ في التشريع العربي” حيث ذكرت أن لبنان وسورية أدرجتا هذا البند في تشريعاتها منذ الخمسينات ثم تلتها مصر والكويت والجزائر مما يكشف تنكر حركة النهضة للموقف التاريخي التونسي في دعم الحق الفلسطيني وعرقلتها جهود عزل الكيان الصهيوني. كما برز انحراف المجلس عن دوره الوطني في تدخل رئيسه السافر في اختصاصات السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية تحديدا وخرق مبدأ الفصل بين السطات باتصالاته وزياراته المتكررة لقطر وتركيا. كما بارك الغنوشي التواجد العسكري التركي بليبيا وقدم التهاني إلى السراج عند استيلاء الإرهابيين على قاعدة ” الوطية ” القريبة من تونس. وكان يتجسس على دول شقيقة وصديقة منها الجزائر ومصر مثلما أفادت بذلك هيئة الدفاع عن الشهيدين.  

        غير أن هذه التصرفات المعادية لمصلحة الوطن لقيت مواجهة عنيدة من كتلة الحزب الدستوري الحر وعلى رأسها السيدة عبير موسي التي ما انفكت منذ نوفمبر 2019 تفضح المواقف اللاوطنية في مشاريع القوانين وتكشف عبر البث المباشر الخروقات الإدارية التي يمارسها مكتب المجلس برئاسة الغنوشي من أجل تمرير هذه القوانين. كما طالب الحزب الدستوري الحر أكثر من مرة بكشف شبكات التسفير إلى بؤر الدواعش في ليبيا والمشرق العربي وعبر عن رفضه التدخلات الأجنبية لا سيما الأمريكية في الشأن الداخلي. ومقابل قوة الحجة للنواب الوطنيين لجأ نواب حركة النهضة وحلفاؤها إلى حجة القوة فأقدموا على ممارسة أقذر أشكال العنف المادي والمعنوي على نواب الحزب الدستوري الحر فوقع منعهم من الكلام وقطع الاتصال عنهم خلال الجلسات التي تتم عن بعد وافتكاك هواتفهم المحمولة مثلما تم رفع الحراسة الأمنية على السيدة موسي داخل أروقة البرلمان وتعنيفها في نفس الفضاء الذي أصدر قانونا يناهض العنف ضد المرأة.

          لقد طفح الكيل وبات من العاجل التخلص من هذا العبء الثقيل استجابة لأصوات التونسيين الذين خرجوا للشارع في نفس يوم عيد الجمهورية بما مثله سنة 1957 من رمز لتحقيق السيادة الوطنية ويتم ذلك عبر بناء نظام سياسي جديد يقطع بكل سلطاته وخاصة منها التشريعية مع الممارسات المعادية للوطن.  

المجلس النيابي : طفح الكيل …
أنشره