المنافع المخولة لرؤساء الجمهورية بعد انتهاء مهامهم

ذلك هو المصطلح القانوني المناسب عند انتهاء مهام رئيس الجمهورية وليس ” جراية التقاعد” لأن التقاعد مرتبط بسن معينة او بأقدمية دنيا وهو ما لا ينطبق على منصب رئيس الجمهورية المدعو إلى أداء مهمة لفترة معينة بقطع النظر عن سنه الذي قد يكون عند انتهاء مهامه دون السن القانونية للإحالة على التقاعد. ويعود تناول الموضوع إلى اهتمام الرأي العام وردود فعله وموقف رئيس الجمهورية مما أتاه رئيس الجمهورية الأسبق من مواقف تشوه صورة منصب رئيس الجمهورية مما يستدعي النظر في التشريعات المنظمة للمنح المخولة لرؤساء الجمهورية بعد انتهاء مهامهم.  

وللتذكير فقد كانت أول مرة يتم فيها تحديد المنح المخولة لرؤساء الجمهورية بعد انتهاء مهامهم في شهر ديسمبر 1987 حيث نص قانون المالية لسنة 1988 على تمتع رئيس الجمهورية بعد انتهاء مهامه من جراية عمرية تعادل المنحة المخولة لرئيس الجمهورية المباشر وبمحل مؤثث للسكنى وبالمصاريف المتعلقة بصيانته وبخدمات بعض الأعوان وبالعلاج. كما نص على نفس المنح وبجزء من الامتيازات لفائدة أرملته وأبنائه اليتامى والقصر في صورة وفاته. وكان الدافع الرئيسي وراء إصدار هذا القانون إيجاد صيغة قانونية لتكفل الدولة بالعناية بالرئيس الحبيب بورقيبة. ثم كان القانون الثاني سنة 2005 الذي حافظ على نفس المنح مع الترفيع في حجم الامتيازات العينية والذي صدر بعد سنة من صعود زين العابدين بن علي إلى الرئاسة إثر إلغاء شرط تحديد الفترات الرئاسية بمقتضى تنقيح الدستور سنة 2002.

أما القانون الثالث والمطبق حاليا فقد صدر سنة 2015 ليبقي على نفس المنح ويدخل تعديلات على الامتيازات العينية. لكنه تضمن تحويرات جوهرية في المجالات غير المادية مقارنة مع القانونين السابقين حيث نص على أن علاج رئيس الجمهورية وأفراد عائلته بعد انتهاء مهامه يتم في المستشفيات العسكرية وعند التعذر في مصحات خاصة بتونس أو مؤسسات صحية بالخارج دون ذكر المؤسسات العمومية للصحة بما يؤكد نية  المشرع على إبقائها في نفس الوضع المتردي وبما يعطي صورة سلبية للداخل وللخارج. كما نص القانون الجديد على تمكين رئيس الجمهورية المنتهية مهامه وأفراد عائلته من السفر والإقامة في الخارج مع تكليف الممثليات الدبلوماسية والقنصلية للجمهورية التونسية بالخارج بتيسير إقامته وتنقلاته في حين أن رئيس الجمهورية المنتهية مهامه لم تعد له صفة تمثيل البلاد في الخارج مما يجعل سفره شأنا خاصا دون أن يعني ذلك السماح له بفعل ما يريد. لكن أخطر ما في القانون الجديد التنصيص على الحالات التي يحرم فيها رئيس الجمهورية من المنح وهي عندما ” يصدر في شأنه حكم بات قاض بإدانته من أجل الخيانة العظمى أو التعذيب أو جريمة ضد الإنسانية أو اختلاس أموال عمومية أو تدليس أو تخلى عن مهامه بغير الصيغ القانونية”. وقد تبين من خلال نقاشات مجلس نواب الشعب أن النقطة الأخيرة أي التخلي عن المهام بغير الصيغ القانونية كانت السبب الرئيسي لإضافة هذا الفصل في إشارة إلى بن علي. أما النقاط الأخرى فليست سوى تمويه ذلك أن من حكموا البلاد على مدى عشرية الخراب وانتهاك السيادة الوطنية لهم مفهوم آخر لها بدليل سكوتهم على ما أتاه الرئيس الأسبق والذي لا يمكن أن ينعت بغير الخيانة العظمى.  

وبناء على ما سبق وحتى يظل رئيس الجمهورية قدوة لشعبه عند انتهاء مهامه مثلما كان عند ممارسته لها لا بد من مراجعة قانون سنة 2015 في اتجاه إكسابه الروح الوطنية بحصر الانتقاع بالمنح على الرئيس المنتخب بصفة مباشرة من الشعب وتحديد حالات سفره إلى الخارج وإعطاء الأولوية في علاجه إلى المؤسسات العمومية للصحة ذلك أنه يمثل رمزا للسيادة الوطنية وللأمن القومي للبلاد.  

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 22 أكتوبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

بقلم د. بدر السماوي

المنافع المخولة لرؤساء الجمهورية بعد انتهاء مهامهم
أنشره