
احتج الصحافيون منذ أسبوعين على إيقاف السلطات الأمنية لأحد زملائهم واستدعاء آخرين من نفس المؤسسة الإعلامية على خلفية تسريب الصحافي لمعلومة حول إيقاف مجموعة إرهابية. ففي حين اعتبرت السلطات الأمنية أن القانون لا يُخول لوسائل الاعلام الخوض في تفاصيل عملية أمنية سرية ما زالت جارية تمسك الصحافيون بحقهم في عدم الإفشاء عن مصادر معلوماتهم.
ويمكن البت في هذا الاشكال من زاويتين قانونية وسياسية. فمن الناحية القانونية نص المرسوم عدد 115 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر على أن مصادر الصحافي عند قيامه بمهامه محمية ولا يمكن الاعتداء على سرّيتها. لكنّ نفس المرسوم استثني تلك التي تكون وراءها دوافع ترتبط بأمن الدولة أو بالدفاع الوطني. كما اعتبر القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال أن ّكلّ من يمتنع عن إشعار السلط بما أمكن له الاطلاع عليه من معلومات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية مرتكبا لجريمة إرهابية ولو كان خاضعا للسر المهني بمن فيهم الصحافيين.
أما من الناحية السياسية فإن المسألة يجب أن تطرح في علاقة بالتحديات التي تواجهها بلادنا في هذه الظروف بالذات على مختلف المستويات بعيدا عما يروج له الغرب من شعارات زائفة حول ” الإعلام الحر” لم يعد لها أي أثر في الواقع خاصة عندما يتعلق الأمر بالحروب التي تشنها البلدان الاستعمارية على بقية شعوب العالم. فقد تبين أن الحرب الأمريكية على فيتنام كانت آخر حرب مارس خلالها الإعلام الغربي حريته نسبيا وتمكن من كشف الجرائم الوحشية التي ارتكبتها جيوش بلدانه بحق بقية البلدان، وكان للتحركات الجماهيرية المناهضة للحرب التي عمَّت العالم بالغ الأثر لانتصار فيتنام وهزيمة الولايات المتحدة سنة 1975. ومنذ ذلك التاريخ عكف الاستراتيجيون الغربيون على دراسة هذه التجربة والأضرار التي ألحقتها بصورة الغرب عالميًّا وتوصَّلوا إلى تغيير أساليب عملهم. وكانت أول حرب يُطبّق فيها الغرب خطته الإعلامية الجديدة هي الحرب على العراق حيث أصبح من شبه المستحيل على أي إعلامي أن يُغطّي وقائعها دون التعاون مع القوات الغازية ودون الحصول على موافقة القائد العسكري في المنطقة لنشر أي خبر عن مجريات الحرب. وتكرّر هذا الأمر في عدة بلدان منها سورية وليبيا مع بعض التعديلات حيث تم استبدال القنوات الإعلامية الرسمية بشهود عيان مرافقين للقوات العسكرية يكتبون كلّ ما يُطلب إليهم كتابته. ويمثل موقف الصحافيين الغربيين تجاه قضية فلسطين أكبر دليل على خدعة ” الإعلام الحر ” الدي يخضع لقوى الضغط الصهيونية فيصبح المدافع عن أرضه عندهم إرهابيا ومُغتَصبَها ضحيّة. وها هي مجريات الحرب بين روسيا وأكرانيا تكشف كيف زجّت القنوات الموالية لحلف شمال الأطلسي بآلاف الصحافيين إلى أرض المعارك وأنشأت بسرعة كبيرة منصَّات تواصل اجتماعي ليس فيها من حرية سوى حرية الحقد والعنصرية.
لقد عانت بلادنا خلال العشرية الأخيرة من الإرهاب الذي ذهب ضحيته عديد الشهداء منهم شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض وعشرات الأمنيين والعسكريين والمواطنين مما يتطلب اليقظة وتعاون الجميع بمن في ذلك الصحافيين مع السلطات الأمنية دون أن يُحوّل ذلك الصحافي إلى ” واش أو مُخبر ” مثلما جاء مؤخرا على لسان أحد الصحافيين. وحيث أن الجدل والتأويل ما زالا متواصلين حول هذه النقطة يُقترح مراجعة المرسوم عدد 115 لسنة 2011 الذي صدر في خضم نشوة الديمقراطية الموعودة وإعادة النظر في القانون الأساسي لسنة 2015 الذي جاء في ظل التوافق المغشوش حتى يتم توضيح الحدود بين حرية الصحافي ومسؤوليته ذلك أن حرية التعبير والتمسك بالسر المهني والحرص على السبق الصحفي والتضامن القطاعي قواعد عمل وقيم نبيلة من واجب الصحافي أن يسعى إلى اعتمادها لكن دون أن تكون على حساب أمن البلاد وسلامة شعبها.
بقلم د. بدر السماوي – الشروق :01 افريل 2022 – ” نافذة على الوطن”