اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني:29 نوفمبر يوم النفاق السياسي بين الأمس واليوم

بقلم د. بدر السماوي – جريدة الشعب : 30 نوفمبر 2023

نعيش منذ انطلاق طوفان الأقصى فجر السابع من أكتوبر الماضي على وقع تضامن مستمر مع الشعب الفلسطيني كادت تتحول فيه كل أيامنا إلى 29 نوفمبر. ونظرا لأهمية الحدث ودلالاته يكون من المفيد القيام بمقارنة بين الفترة التي أصدرت فيها الأمم المتحدة قرارها المشؤوم عدد 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 المتعلق بتقسيم فلسطين والذي تحول منذ سنة 1977 إلى يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وبين ما نعيشه هذه الأيام من تطورات متسارعة على كافة المستويات الدولية والعربية سواء فيما يمثل تشابها أو ما يشكل اختلافا.
أوجه التشابه
من أول أوجه الشبه بين الأمس واليوم النفاق السياسي الدولي حيث أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين الذي انتهك حقوق الإنسان الفلسطيني في نفس فترة إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وها هو اليوم يعاد النفاق من قبل نفس الأطراف بالتغاضي عن انتهاك الصهاينة لحقوق الفلسطينيين بينما لم تنفك تصم آذاننا بمعية الدول الغربية حول حقوق الإنسان والحريات. وثاني أوجه التشابه حدة وحشية الصهاينة وصلفهم الذي لم يتغير فها هم يعيدون اليوم نفس ما قاموا به في9 أفريل 1948 عندما قتلوا في يوم واحد 250 فلسطينيا من قرية دير ياسين معظمهم من الشيوخ والأطفال والنساء ومثلوا بهم بكل وحشية. وثالث أوجه التشابه حصول الصهاينة على دعم بريطانيا العسكري أثناء فترة اغتصاب فلسطين وتلقيها اليوم دعما عسكريا من حلف شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن أوجه التشابه بين الأمي واليوم لم تقتصر على أعداء فلسطين بل شملت مسانديها والذي تمثل في الدعم العربي بداية من صدور قرار التقسيم من خلال تطوع المئات بل آلاف المجاهدين من كافة الأقطار العربية ومن بينها تونس.كما جاء الإسناد ولو بصفة محدودة من جيوش نظامية مثل جيش الانقاذ بقيادة فوزي القاوقجي والجيش المصري الذي كان ضمنه الزعيم جمال عبد الناصر. واليوم فالمشهد نفسه يعاد بخروج الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج مستنكرة الجرائم الصهيونية ووقوف محور المقاومة المتكون من بعض الأنظمة وفصائل عربية وإسلامية إلى جانب طوفان الأقصى.
أوجه الاختلاف
لم يكن في حوزة المقاومة الفلسطينية عند صدور قرار التقسيم سوى وسائل كفاح بسيطة سواء على المستوى العسكري أو الإعلامي، بينما نرى الشباب الفلسطيني اليوم يبدع في امتلاك التكنولوجيا وتوظيفها ممّا مكّنه من اختراق المنظومات الالكترونية الصهيونية. وابتدعت كتائب عز الدين القسام خططا عسكرية متطورة أجمع أشهر الخبراء على أنها ستُدرّس في أكبر الكليات الحربية. كما برز اليوم دور وسائل الاتصال الحديثة في نقل الخبر بصفة آنية وتوثيق عمليات المقاومة ووحشية الجرائم الصهيونية بالصوت والصورة وإبراز شجاعة المقاومين وبسالتهم ممّا ساهم في تحريك مشاعر الشعوب وعزّز تضامنها بما فيها شعوب البلدان الغربية. وتحولت الكلمة اليومية لأبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام إلى أهم مصدر للمعلومات في وكالات الأنباء.
تونس وفلسطين بعد 1947
وقف الشعب التونسي منذ قرار التقسيم إلى جانب الحق الفلسطيني فقد تم إعلان الإضراب العام أيام 3 و 4 و 5 ديسمبر 1947 وانتظم المؤتمر العربي الاسلامي لحماية فلسطين” يوم 4 ديسمبر 1947 بجامع صاحب الطابع وحضره أكثر من ثلاثة آلاف شخص وشارك فيه ممثلون عن الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية ووقع جمع التبرعات وتلاوة أسماء المتطوعين إلى فلسطين.ثم انتظم تجمع آخر يوم 5 ديسمبر 1947 حضره ستة آلاف شخص.
وما أن وقع اغتصاب فلسطين في 15 ماي 1948 حتّى هبّ الشعب التونسي بكل فئاته معبّرا عن دفاعه عن فلسطين فتم تكوين ” اللجنة التونسية العليا لإنقاذ فلسطين” يوم 19 ماي 1948 شارك فيها الحزبان الدستوريان القديم والجديد والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وجامعة الفلاحين التونسيين العامة وهيئة المؤتمر الاسلامي لإنقاذ فلسطين ولجنة الدفاع عن فلسطين ورابطة الصحافة التونسية. وقامت هذه اللجنة بتكوين لجان جهوية تولت جمع التبرعات والحث على التطوع والعناية بأُسر من استشهد من المتطوعين. ولعب الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الصدد دورا طليعيا تحت قيادة الزعيم فرحات حشاد.
وتواصلت عمليات التطوع دون انقطاع وعرفت وتيرتها تسارعا أكبر إثر الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان سنة 1982 ثم في بداية التسعينات دعما لانتفاضة الحجارة في فلسطين وسيرا على درب الآباء والأجداد الذين تطوعوا للذود على فلسطين سنة 1948. ومن بين المتطوعين من تونس مجموعة من الشباب حملوا أرواحهم على أكتافهم وانخرطوا في صفوف المقاومة الفلسطينية ومنهم من استشهد على غرار ميلود بن ناجح نومة وعمر قطاط وفيصل الحشائشي ورياض بن جماعة وسامي بالحاج علي وكمال بدري وبليغ اللجمي ورضا بولكلاكة وخالد الجلاصي وعمران المقدمي والهادي بن بريك، ومنهم من تطوع وقاتل في صفوف المقاومة حتى وفاته مثل الفقيد البطل فيصل بنعون. وانضم إلى قافلة الشهداء مؤخرا المهندس محمد الزواري مبتكر المُسيّرات الطائرة والبحرية التي استخدمتها المقاومة في طوفان الأقصى.
تونس وفلسطين بعد 7 أكتوبر
ما أن انطلق طوفان الأقصى فجر السابع من أكتوبر 2023 حتى انطلقت معه المسيرات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية في كافة أنحاء البلاد وتسارعت مظاهر التضامن وتقديم مختلف أشكال الدعم سواء بالمال أو بالدم أو بالملابس والأغطية والأدوية. وانتظمت وقفات احتجاجية أمام سفارات الدول الداعمة للعدوان. ولوحظت مشاركة شبابية لافتة ووعي ناضج بمركزية القضية وعمقها التاريخي. كما اجتمعت الأحزاب والمنظمات في لجنة وطنية لدعم المقاومة في فلسطين بإشراف من الاتحاد العام التونسي للشغل وكونت فروعا لها في الجهات وقامت بتنظيم أنشطة متعددة. وهكذا أكدت ردود الفعل في تونس التي تلت انفجار طوفان الأقصى أنّ فلسطين من أكثر المجالات التي تجمع التونسيين وتنسيهم شواغلهم المحلية وأن موقف السلطة السياسية الحالية المساند للحق الفلسطيني مثل عاملا دافعا خلافا لما كان عليه الوضع في أوقات سابقة. وتأكد أيضا أن فلسطين التي بقيت في وجدان التونسيين على مدى أكثر من سبعة عقود ستظل في قلوبهم حتى تحريرها.
ومهما كان عدد الشهداء الذين سقطوا منذ السابع من أكتوبر ومهما كان حجم الخسائر المادية فإن ظروف تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر أصبحت متوفرة أكثر من أي وقت مضى على أنه من المفيد تحذير المقاومة العربية وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية من محاولات الالتفاف والخيانة التي بدأت رائحتها تفوح مثل العودة إلى أسطوانة حل الدولتين وغيرها من الحلول التي ثبت فشلها قبل السابع من أكتوبر فما بالك بعده.

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني:29 نوفمبر يوم النفاق السياسي بين الأمس واليوم
أنشره