
بقلم د. بدر السماوي – ة الشروق :02 أكتوبر 2023
تحولت الدورة السنوية رقم 78 للجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقدة التي انطلقت في نيويورك يوم 19 سبتمبر 2023 إلى محاكمة للسياسة الاستعمارية الغربية ولجرائمها المروّعة وعبّرت عن انفجار غضب الشعوب وقياداتها ضد نهب ثرواتها وإشعال الحروب في كل مكان ودعم الإرهاب. إنها صرخة ألم ممزوجة بالتمرد على حقبة من الظلم والمطالبة باسترجاع الحقوق المهدورة والثروات المسروقة.
لقد كانت كلمة ممثل بوركينافاسو بحق قنبلة ألقى بها في وجه الغرب، وكذلك كلمات ممثلي دول مالي وغانا وبورندي التي أدانت الحقبة الاستعمارية، القديمة والجديدة وفضحت ما تتعرض له القارة الافريقية التي تضمّ مليار و300 مليون ساكن من مظالم، وأكدت أن عهد الظلم قد ولّى وأن أفريقيا ستُمسك مصيرها ولن تقبل بتواصل القهر والتهميش وستفضح الكذب والنفاق.

كما تعالت صرخات أخرى من أمريكا الجنوبية وخاصة من البرازيل والأرجنتين وكولومبيا، حيث استنكر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الغرب الذي لديه المال لتوفير السلاح وليس لديه المال لإنقاذ البشرية من الكوارث. وأضاف منتقدا سياسة الكيل بمكيالين: “لماذا يدعم الغرب أوكرانيا ولا يدعم فلسطين”. وهي جملة تردّدت على غير لسان مطالبة بضمان حق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته المستقلة. جملة ردّدها أيضا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وممثلو سورية وإيران وتونس وغيرهم.
فقد أدان بسام صباغ السفير السوري لدى الأمم المتحدة الاحتلال الصهيوني لفلسطين وللجولان وما يستتبعه من بناء للمستوطنات وتغيير للتكوين الديمغرافي والهيكل المؤسساتي ناهيك عن نهب موارد الجولان الطبيعية والاستيلاء على أراضي المزارعين السوريين معتبرا ذلك أبشع أشكال الانتهاكات الجسيمة لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي الإنساني”. كما تطرق صباغ إلى التدابير القسرية الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون على سورية، واصفا تلك التدابير بأنها “لا شرعية ولا أخلاقية ولا إنسانية”. وقال إن ” الفوضى الخلاقة” التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة زعزعت البلدان إذ أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لتدمير ما تم بناؤه ودعمت الإرهاب واحتلت أراضينا وداست مواثيق الأمم المتحدة.
إن صرخات الغضب هذه تعكس ما يعتمر في الصدور من التوق إلى نظام عالمي جديد أكثر عدلا وصونا لحق الشعوب في تقرير مصيرها وإلى نظام تتخلص فيه منظمة الأمم المتحدة من هيمنة الدول الغربية ومن استخدام أجهزتها في مخططاتها العدوانية ضد الانسانية. هذه الانسانية التي أدان بعض المتدخلين محاولة إفنائها بالتشجيع على المثلية والحديث عن الجنس الثالث وكل البدع المنافية للطبيعة البشرية ولتوازنها. وقد أعطى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي درسا لأبواق الشواذ في القيم الانسانية والأخلاقية والإسلامية.
ولم تكن تونس بعيدة عن الأصوات الحرة المطالبة بنظام عالمي عادل، إذ دعا وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار إلى ” تمكين الشعوب من استعادة أموالها المنهوبة بالخارج “مدينا “النظام المالي العالمي الذي ساهم في تعميق الهوّة بين الدول مما يستوجب إصلاحه جوهريا وإرساء نظام عالمي جديد أكثر توازنا «. كما نبه مثل العديد من المتدخلين من خطورة الكوارث الطبيعية وأزمة المناخ مذكرا بطلب الرئيس قيس سعيد “إحداث مخزون عالمي استراتيجي من الحبوب يتم اللجوء إليه عند الحاجة «.
ولا شك أن ممثلي الدول الاستعمارية شاهت وجوههم مما سمعوه في هذه الدورة ذلك أن المخاض الذي يتقدم في اتجاه ولادة عالم متعدد الأقطاب وجد صداه في منبر الأمم المتحدة هذه السنة حيث أصبح كل شيء مكشوفا مما يدعو الدول التي انتفضت وانطلقت في مناهضة الهيمنة الغربية إلى مواصلة نضالها وتنسيق أعمالها لوضع حد للنظام العالمي الذي عانت منه البشرية عقودا عديدة وتدشين عهد جديد تستفيد منه شعوبها.