بقلم د. بدر السماوي – جريدة الشعب : 28 أفريل 2022
تقف باكستان مرة أخرى في قلب العاصفة بعد عزل رئيس الحكومة عمران خان من منصبه في بداية هذا الشهر ودعوة هذا الأخير الشعب للنزول إلى الشارع لمواجهة الانقلاب الذي تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أزعجها تمرد عمران خان على هيمنتها وتوجهه نحو إقامة توازن مع كل الأطراف الدولية.
باكستان منصة للسياسة الأمريكية
ارتبطت سياسة باكستان على مدى عقود بالمحور الأمريكي وخدمته بكل قوة دون أن تجني منه فائدة تُذكر. فقد دعمت حلف بغداد وحلف جنوب شرقي آسيا التي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية وكانت أحد أعمدة السياسة الأمريكية في مواجهة الاتحاد السوفياتي وخاصة في أفغانستان. ولم تجد باكستان دعما في حروبها ضد الهند في قضية كشمير وفي انسلاخ بنغلادش. وكل ما في الأمر أن الولايات المتحدة أغرقت باكستان بالأسلحة القديمة وأثقلت كاهلها بالقروض حيث بلغت الديون الخارجية لهذا البلد 110 مليار دولار، وتورطت لتصبح قاعدة للإرهاب سرعان ما ارتدّ عليها في عمليات تفجير عديدة وقد كلفتها الحرب فيما بعد على الإرهاب 68 مليار دولار وآلاف الضحايا وثلاثة ملايين نازح. وحين امتلكت باكستان قنبلتها النووية تعرضت لشتى أنواع العقوبات الأمريكية الظالمة. ثم استباح الأمريكان الأجواء الباكستانية بعد سبتمبر 2001 وبعد غزوهم لأفغانستان بآلاف الغارات بحجة ملاحقة «الإرهابيين”. وكانت حصيلة هذه الغارات مقتل 22 ألف مدني باكستاني.
تطلع للانعتاق وغضب أمريكي نجح عمران خان زعيم حزب الإنصاف في 2018 في الانتخابات التشريعية وترأس حكومة تحمل رؤية جديدة تعتبر أن باكستان خسرت بارتهانها للولايات المتحدة. لذلك عمل عمران خان على رسم سياسة متوازنة أثارت استياء أمريكيا عارما. ومن بين هذه الخطوات انضمام باكستان لطريق الحرير الذي سيربط الصين بالغرب الآسيوي وصولا إلى أوروبا وأفريقيا. لذلك وقّعت مع الصين معاهدة تعاون اقتصادي هامة بما من شأنه أن يحرّرها من الهيمنة الأمريكية. وأقامت علاقات استراتيجية مع إيران وساهمت في كسر الحصار عليها وقدمت لها مساعدات لتطوير البرنامج النووي. ومن أهم الخطوات التي تهمنا بصفة مباشرة مساندتها للقضية الفلسطينية ورفضها التطبيع والعروض للانخراط في اتفاقيات ابراهام رغم الضغوط الشديدة، ومن بين ما قاله عمران خان في مثل هذا الشهر من السنة الماضية خلال ملحمة سيف القدس ” أنا رئيس وزراء باكستان. نحن نقف مع غزة، نحن نقف مع فلسطين “.
وكانت القشة التي قصمت ظهر بعير أمريكا رفض عمران خان إدانة التدخل الروسي في أوكرانيا بل قيامه بزيارة روسيا يوم بدأ هذا التدخل في 24 فيفري 2022 ولقاؤه الرئيس بوتين. كل هذه الخطوات جعلت السفير الأمريكي في باكستان يوجه خطابا وقحا يدعو فيه لإسقاط حكومة عمران خان.وبدأت المعارضة تتعلل بالأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم وانخفاض العملة المحلية في حين أنها ظواهر سابقة لحكومة عمران خان، وقامت بإيعاز أمريكي بشراء الأصوات في البرلمان وتوجت خطتها بسحب الثقة من الحكومة.
تطلع الشعوب للتحرر والوضع الدولي الجديد
لقد ظنت أمريكا أنها طوت صفحة عمران خان ولكن غاب عنها أن مخاضا جديدا بدأ يتبلور في العالم يسير نحو التمرد على هيمنتها وبروز تعدد الأقطاب العالمية بداية من باكستان بالذات حيث عمت شوارع المدن الباكستانية في الأسابيع الأخيرة مظاهرات عارمة دعا لها عمران خان وقاد بعضها بنفسه وكان شعارها المركزي ” الموت لأمريكا”.
لقد ساهمت باكستان بزعامة عمران خان في دخول العالم عصرا جديدا متعدد الأقطاب يعتمد سياسات متوازنة بعيدا عن الارتهان للغرب المتراجع مما يستوجب على كل من يؤمن بالدفاع على سيادة بلده ويرغب خدمة شعبه أن ينتهج سياسة متوازنة بين هذه المحاور ويتعامل معها الند للند.
فهل سيفهم بعض العرب ممن ما زالوا يراهنون على أمريكا ويتوهمون أن التطبيع مع الكيان الصهيوني سيحل مشاكلهم أن هذا البلد ليس له حلفاء وأنهم مجرد خدم تلفظهم متى شاءت؟