د.بدر السماوي- عضو المكتب السياسي لحركة النضال الوطني – الشروق: 23 فيفري 2024

تمر يوم 21 من هذا الشهر ثلاثون سنة على صدور القانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن الأضرار الناجمة على حوادث الشغل والأمراض المهنية الذي يعتبر من أهم القوانين في مجال الضمان الاجتماعي لما اشتمل عليه من تطوير سواء في مستوى توسيع التغطية أو في مستوى تحسين الخدمات. كما تمثلت أهميته في تحويل التصرف في التعويض عن الأضرار المهنية من شركات التأمين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 1994 ثم الصندوق الوطني للتأمين على المرض سنة 2004.

وكان للاتحاد العام التونسي للشغل دور في إقرار هذا القانون حيث لم ينفك يطالب بتحسين نظام التعويض عن الأضرار المهنية المحدث سنة 1957. وعلى سبيل المثال اعتبر الاتحاد في مراسلة موجهة إلى وزير الشؤون الاجتماعية بتاريخ 17 ماي 1990 ” أنّ الإجراءات المعمول بها تتسم بالطول والتعقيد الذين من شانهما أن يلحقا ضررا بالمتضرر أو بورثته مما يستوجب إدخال مرونة عليهما بعد تقييم تجربة 33 سنة الماضية بصورة موضوعية”. كما قرر في المؤتمر 18 المنعقد في ديسمبر 1993 إحداث قسم ضمن هياكله الوطنية والقطاعية والجهوية يعنى بالتغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية.

توسيع التغطية وتحسينها

أدخل قانون فيفري 1994 تحويرا جذريا على مستوى التغطية بإقرار التصريح الاسمي بكل الأجراء وربطه بالتصريح بعنوان أنظمة الضمان الاجتماعي. وأقر على مستوى المنافع ترفيعا هاما في المنحة اليومية للعجز المؤقت عن العمل وفي منحتي الأرملة واليتامى. وتم تبسيط إجراءات التعويض عن الأخطار المهنية بجعلها آلية بعد أن كانت تمر بالضرورة على القضاء. وأصبحت التسوية القضائية من مشمولات محكمة الناحية وهي أقرب جهاز قضائي إلى المتضرر بعد أن كانت في المحكمة الابتدائية. وتم الترفيع في عدد الأمراض المهنية من 49 إلى 84. ووقع تكليف الصندوق بالاهتمام بالوقاية من الأخطار المهنية عن طريق منح قروض إلى المؤسسات والتخفيض أو الترفيع في نسب الاشتراكات حسب مجهودات المؤسسة في مجال الوقاية. كما كلف الصندوق بتوفير إحصائيات حول حوادث الشغل والأمراض المهنية وأسبابها ورفع ملاحظات عند الاقتضاء إلى الجهات المختصة.

واقع الحوادث والأمراض من خلال الأرقام

شهدت سنة 2022 حصول 26537 حادث شغل منها 94 % في أماكن العمل والبقية حوادث مسير، وتحتل صفاقس المرتبة الأولى في عدد الحوادث في ترتيب الولايات وقطاع صناعة الملابس في ترتيب القطاعات, هذا وقد سجلت سنة 1995 وهي السنة الأولى لتطبيق القانون حصول 42082 وكانت ولاية صفاقس في طليعة الولايات والبناء والأشغال العامة في طليعة القطاعات. وبعد أن سجلت سنة 1995 حصول 221 حادثا قاتلا نزل عدد الحوادث القاتلة إلى 96 سنة 2022. أما بالنسبة للأمراض المهنية المصرح بها فعلى العكس من ذلك ارتفعت بشكل كبير حيث كانت في حدود 156 سنة 1995 فأصبحت 2763 خلال سنة 2022 منها 43 % في قطاع صناعة الملابس وحده وتصدرت ولاية المنستير القائمة واحتلت الاعتلالات العظمية العضلية المرتبة الأولى.

ويبين التقييم العام أن الثلاثين سنة الماضية شهدت تحسنا في المؤشرات بصفة عامة يعود إلى المجهود الجماعي الذي بذلته مختلف الأطراف المتدخلة في المجال بما في ذلك النقابات العمالية وممثلو العمال في لجان الصحة والسلامة المهنية فضلا على إطارات وأعوان هياكل الدولة رغم ضآلة عددهم ومحدودية الإمكانيات المتوفرة لديهم دون اعتبار الأسباب الظرفية مثل تراجع أيام العمل نتيجة الغلق الوقتي أو الكلي لبعض المؤسسات وخاصة خلال فترة الكوفيد.

نقائص وثغرات

شهدت مسيرة ثلاثة عقود بروز العديد من الثغرات والنقائص بعضها تعود إلى التشريع نفسه والبعض الآخر في علاقة بالتطبيق نقتصر على ذكر أهمها:

– التأخر في الترفيع في جرايات المتضررين من حوادث الشغل والأمراض المهنية اعتبارا لتطور مستوى الأجور التي نص عليه قانون 1994 حيث لم يصدر الأمر المعني إلاّ سنة 2019 بما مثل ضررا آخر للمعنيين أضيف إلى ما أصابهم من ضرر نتيجة الحادث أو المرض.

– عدم دورية مراجعة قائمة الأمراض المهنية التي نص قانون 1994 على أن تتم مرة كل ثلاث سنوات وكلما دعت الحاجة حيث لم تتم المراجعة إلا في خمس مناسبات عوض عشر مناسبات على الأقل.

– عدم تحيين التعريفات المتعلقة بخلاص نفقات علاج متضرري حوادث الشغل والأمراض المهنية التي تتم في إطار الاتفاقيات المبرمة بين الصندوق والمؤسسات الصحية الاستشفائية العمومية والخاصة والتي تعود إلى سنة 1996.

– ضعف إقبال المؤسسات على الحصول على قروض لتمويل المشاريع في مجال الصحة والسلامة.

– عدم تطبيق الفصول المتعلقة بتوظيف خطايا على المخالفات مثل عدم انخراط المؤجر في الصندوق لتغطية أخطار حوادث الشغل والأمراض المهنية أو عدم التصريح بالحوادث والأمراض وغيرها.

– ضعف الصيغة الواردة في القانون حول واجبات المؤجر في الوقاية من الأخطار المهنية التي نصت على ” دعوة” صاحب المؤسسة إلى أخذ الإجراءات اللازمة للوقاية عوض ” إلزامه” بذلك.

آفاق واقتراحات

علاوة على ضرورة تدارك النقائص المشار إليها أعلاه فلا بد من إدخال بعض التعديلات على القانون الصادر سنة 1994 مثل تعريف حادث الطريق بإضافة الحالات الطارئة ومزيد تدقيق ظروف الحادث عندما يعمل العامل عن بعد وجعل التغطية إجبارية للعاملين لحسابهم الخاص سواء في حوادث الشغل أو الأمراض المهنية. أما على مستوى التطبيق فمن المفيد اعتماد إيداع تصاريح حوادث الشغل والأمراض المهنية عن بعد، وتمكين الصندوق من مراقبين محلفين مكلفين بالبحث في الإشكاليات المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية التي كان يقوم بها مراقبو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتدعيم سلك مهندسي الصحة والسلامة المهنية بالصندوق الوطني للتأمين على المرض. ولا بد من الاهتمام بالقطاع غير المنظم الذي عادة ما تنعدم فيه ظروف الصحة والسلامة المهنية خاصة أن عدد المشتغلين فيه في ارتفاع والاهتمام بالقطاع الفلاحي الذي ما انفك يشهد حوادث مسير قاتلة.

وليس للصندوق مبرر مالي لعدم القيام بالإصلاحات المستوجبة ذلك أن توازنات نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية كانت دائما تشهد فوائض لكن الصندوق دأب على الاعتماد عليها لتسديد عجز نظام الـتأمين على المرض عوض توجيهها إلى تعزيز الوقاية وتحسين الخدمات.

والخلاصة أنه آن الأوان للقيام بمراجعة قانون 1994 وبعض النصوص الترتيبية الصادرة منذ ذلك التاريخ مع التعجيل في ضبط إستراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية وتركيز المجلس الأعلى للسلامة والصحة المهنية تكريسا لمصادقة تونس على الاتفاقية عدد 187. ومن البديهي الذي لم يعد اليوم بديهيا مع الأسف أن تتم كل هذه الخطوات في إطار حوار فعلي بين الشركاء الاجتماعيين محافظة على أثمن عنصر في عملية الإنتاج وهو الإنسان.

بعد مرور 30 سنة على صدوره: قانون حوادث الشغل والأمراض المهنية في حاجة إلى التطوير والتفعيل
أنشره