
بقلم: الحبيب السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 28 أوت 2021
طفا على السطح هذه الأيام في خضم فتح عديد الملفات الحارقة ملف الجمعيات ومصادر تمويلها المشبوهة خلال العشرية السوداء وما تحوم حوله من شبهات وعلاقتها بتمويل الأحزاب السياسية وتأثيرها على المسار الانتخابي.. فقد تكاثرت الجمعيات بعد 2011 منذ صدور المرسوم عدد 88 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 فبلغ عددها اليوم أكثر من 23 ألف جمعية تمول العديد منها جهات أجنبية وهو ما يسمح به المرسوم مما يهدد السيادة الوطنية في ظل غياب ملحوظ للدور الرقابي لهياكل الدولة ومنها رئاسة الحكومة ولجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي.
ومن أخطر الملفات التي أثيرت في الفترة الأخيرة في علاقة بموضوع الجمعيات ” الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي كان وراء تفجير فضائحه الحزب الدستوري الحر بمناسبة الاعتصام الذي نظمه في مارس 2021 أمام مقر الجمعية بتونس العاصمة وفرعه الثاني بصفاقس للمطالبة بحله بوصفه تابعا للتنظيم الإرهابي المسمى ” التنظيم العالمي لعلماء المسلمين” ومطالبة رئاسة الحكومة بالتدقيق في وضعيته المالية وكشف أنشطته المشبوهة وارتباطه بحركة النهضة علاوة على انتهاك للسيادة الوطنية في خرق واضح لمرسوم الجمعيات الذي يفرض إعلام رئاسة الحكومة بكل التحويلات الأجنبية.
وأفادت تقارير محكمة المحاسبات أن التمويل الأجنبي للجمعيات وصل إلى 68 م.د سنة 2017 و 78 م.د سنة 2018. وتضاربت إحصائيات البنك المركزي مع هذه المعطيات حيث لم يبلغ حجمها على التوالي سوى 27 م.د سنة 2017 و 18 م.د سنة 2018 مقتصرا في جمع المعطيات على 13 بنكا ومتغافلا عن خمس بنوك مرت عبرها التحويلات المالية الأخرى. كما لم تقم 566 جمعية بإعلام رئاسة الحكومة بحصولها على تمويل أجنبي في مخالفة صريحة لمرسوم الجمعيات الدي ينص على واجب الإعلام. وعلى سبيل المثال تحصلت جمعية ” خليل تونس” على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر في مخالفة لقانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال. أما من حيث مصادر الأموال فقد تبين تورط الأطراف الأجنبية لا سيما الغربية منها والخليجية حيث ورد بنفس التقرير أن 70 جمعية تحصلت على تمويلات أمريكية خلال الفترة 2015-2019 بقيمة 11.125 م دولار(31 .م.د). كما قامت مصالح رئاسة الحكومة سنة 2016 برصد لكل الجمعيات وتبين وجود 150 جمعية لها شبهة علاقة بالإرهاب وأوصت بحل 157 جمعية إرهابية ولكن لم يقع حل سوى جمعيتين ثم جمدت حكومة الشاهد هذا الملف رضوخا لحركة النهضة مما جعل الإرهاب يرتع في البلاد ويستهدف مؤسسات الدولة.
إن هذه التجاوزات الصارخة للقانون والمبالغ الضخمة المشبوهة تفصح مرة أخرى عن نية الأطراف الأجنبية في تمرير أجندة تخريب البلاد عبر ما يسمى بالربيع العربي وتمرير مضامين استعمارية والترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتجنيد الشباب لتسفيره إلى بؤر الإرهاب وبث ثقافة التفسخ الأخلاقي مقابل شراء الذمم وتحويل هذه الأموال للأحزاب عن طريق الجمعيات المرتبطة بها. وتتحمل حركة النهضة ومن لف لفها إلى جانب الحكومات المتعاقبة المسؤولية الأولى تنفيذا ومشاركة حيث أن أغلب قادتها مؤسسون ومسيرون لجمعيات بعثت لتكون نافذة للحصول على الأموال ثم تحويلها لفائدة العمل الحزبي.
لقد آن الأوان بعد حراك 25 جويلية والقرارات الرئاسية وما نتج عنها من الشروع في فتح ملفات الفساد فتح ملف الجمعيات ومحاسبة الأطراف المتورطة في مختلف التجاوزات القانونية والمالية سواء بالمشاركة أو بالتستر وعلى رأسها حركة النهضة وأتباعها ومحاسبة الحكومات المتعاقبة والهياكل التي لم تقم بدورها الرقابي على أن تتم بصفة موازية مراجعة مرسوم الجمعيات في اتجاه إلغاء التمويل الأجنبي باعتباره أداة لتنفيذ أجندات استعمارية تنتهك السيادة الوطنية.