بين فلسطين وأكرانيا: الكيل بمكيالين

فلسطين الجريحة، كل يوم شهيد كل يوم مداهمات واقتحامات واعتقالات، كل يوم تنكيل بالأسرى بمن فيهم الأطفال والنساء والمرضى. كل يوم تدنيس للمسجد الأقصى والمقدسات، كل يوم تجريف للأراضي وهدم للمنازل والممتلكات ومصادرة أراضي الفلسطينيين، كل يوم استيطان يتغوّل، كل يوم رصاص حيّ ورصاص مطاطي وغازات مسيلة للدموع، وغيرها، وغيرها.

ولكن هل فتّ ذلك من عضد الشعب الفلسطيني الصامد منذ أكثر من قرن على أرضه يتصدى للمشروع الصهيوني وآلة قمعه الدولة الغاصبة المصطنعة؟ هل أوقف ذلك المقاومة المستمرة بكل أشكالها والتي تتصاعد باستمرار منذ عقود؟ كل يوم إطلاق نار على حواجز الاحتلال، كل يوم عمليات دهس وطعن للصهاينة، كل يوم حجارة وزجاجات حارقة ومواجهات عنيفة ضد الغاصب المحتل. كل يوم تصدٍّ للاقتحامات، كل يوم تصدٍّ لقطعان المستوطنين المدجّجين بالسّلاح.

كل يوم تمسّك بالأرض والمقدّسات من حيّ الشيخ جراح والقدس إلى الخليل وبيتا وبيت دجن والنقب. كل يوم صمود أسطوري للأسرى الفلسطينيين الذين يقارعون العدو بأمعائهم الخاوية وصدورهم العارية في انتفاضتهم بالسجون منذ قرابة ثلاثين يوما، ومقاطعة الأسرى الإداريين للمحاكم الصهيونية منذ قرابة سبعين يوما، وغيرها، وغيرها… صمود شعبي يزيده ألقًا بناء قدرة المقاومة الفلسطينية المسلحة التي بلغت مراتب متطورة في تموينها وتدريبها واعتمادها على قدراتها الذاتية حتى باتت غزّة العزة تكرّس معادلة توازن الرعب مع العدو الصهيوني. وتجد المقاومة في فلسطين سندا لها في التطورات النوعية للمقاومة في لبنان التي امتلكت عشرات آلاف الصواريخ بما فيها الدقيقة، وأصبحت تدريباتها تتضمن تحرير الجليل ونجدة القدس. مشهد يزيده شموخا تعافي سوريا وانتصارها على المؤامرة الكونية وبقائها أحد أعمدة محور المقاومة والصمود الذي ينمو ويتعزز من أقصى المغرب إلى إيران. فهل ستضيع القضية الفلسطينية في غمرة حرب الناتو على روسيا من خلال أوكرانيا؟ لا وألف لا. فهذه الحرب زادت من كشف المعسكر الغربي ونفاقه ومعاييره المزدوجة، ففلسطين تتعرض منذ قرن إلى الغزو والعدوان وقضم الأرض وطرد ملايين الفلسطينيين لكن الغرب الأعمى يغمض عينيه عن هذا لأجل عيون الصهاينة. فهو يندد بالغزو والعدوان الروسي بعد أن زحف الحلف الأطلسي على الحدود الروسية، ويتعامى على جرائم ملايين الصهاينة الذين غزوا فلسطين ونكّلوا بشعبها وشردوه وما يزالون.

ورغم تشدّق الغرب باحترام القوانين الدولية فإنه يضرب عرض الحائط بها متى يشاء. فالتشريعات الدولية تنصّ على حق أي شعب في مقاومة المحتل لأرضه بكافة الأشكال. وهكذا يصنف الغرب قوى المقاومة في فلسطين ولبنان منظمات إرهابية عوض إدانة إرهاب الكيان الصهيوني. أما في أوكرانيا فإنه يدعو إلى “المقاومة” رغم وجود قوى نازية جديدة داخل السلطة الأوكرانية بل إنه يرسل إليها اليوم المرتزقة من كل مكان والإرهابيين الذين كانوا في سوريا وغيرها ممارسا هو نفسه الإرهاب.

وقد كشفت الأحداث الأخيرة علاقة القيادة الأوكرانية بالكيان الصهيوني بل إن رئيسها يتباهى بذلك فقد ناشد خلال الأسبوع الماضي صهاينة العالم بالوقوف في صفه. أما آخر فضيحة تكشف سياسة النفاق والكيل بمكيالين فهي إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) استبعاد روسيا من المشاركة في مونديال قطر نهاية هذه السنة بدعوى غزوها لأوكرانيا كما نسجت على منوالها العديد من المنظمات الرياضية الدولية متحولة إلى أذرع للناتو توزع العقوبات على هذا وعلى ذاك لا لشيء إلا لكونه روسيا بعد أن صموا آذاننا بكذبة عدم إدخال السياسة في الرياضة عندما تعلق الأمر بمقاطعة رياضيين عربا منافسة رياضين صهاينة فكان جزاؤهم العقوبات. لقد سقطت اليوم كل الأقنعة فنحن نعيش مخاض ميلاد نظام عالمي جديد يضرب القطبية الأحادية والاستفراد والطغيان الأمريكي -الغربي ويخلق تعددية من شأنها أن تؤسس لتوازن دولي سوف يخدم حتما القضية الفلسطينية ويوفر لها ظروفا أفضل لاستمرار نضال شعبها حتى تحرير الأرض والإنسان.

بقلم: فدوى بولكلاكة، مستشار بلدي، مدنين – الشروق 07 مارس 2022

بين فلسطين وأكرانيا: الكيل بمكيالين
أنشره