
يُعتبر قطاع إنتاج البذور أحد العناصر الأساسية والمُحدّدة في الإنتاج الزراعي، حيث لعبت دورا هاما في تطوّر الإنتاج ببلادنا كمّا ونوعا. وقد بُذلت جهود كبيرة على مدى العقود الأخيرة من أجل توفير أصناف من البذور خصوصا في قطاع الحبوب، تُواكب التطوّرات المناخيّة المُعاصرة وتتأقلم معها فضلا عما طرأ على منظومة الإنتاج الزراعي من مستجدات، مثل بروز عدّة أمراض فطريّة خصوصا في القموح مع مطلع تسعينات القرن الماضي، ممّا جعل مؤسسات البحث العلمي (مثل المعهد الوطني للبحوث الزراعية) تعمل على تطوير أصناف من الحبوب وتحسين مُقاومتها للأمراض الفطريّة.
وبفضل هذه الطاقات الوطنية أصبحت لدينا عدّة أصناف من البذور تتميّز بحسن تأقلمها مع الخصوصية الجيومناخية لكلّ مناطق الزراعات الكبرى وقادرة كذلك على توفير إنتاج هام يُغطّي كُلفة الإنتاج ويُلبّي حاجيّات المُزارعين وطموحاتهم وبذلك أصبحت البذور المحليّة (التونسية) الملاذ الآمن لنشاطهم الفلاحي دون الحاجة لاقتناء البذور المُستورَدة المرتفعة الأثمان أصلا، وهي تفوق أثمان البذور الوطنية فضلا عن كونها لا تحقّق إنتاجا أفضل من نظيرتها بذورنا الوطنية. زيادة على ذلك فإن البذور المستوردة لا يمكن إعادة زراعتها في الموسم اللاحق لأنّها هجينة. كما أنّها حسّاسة أكثر للأمراض الفطريّة ممّا يستدعي تدخل الفلاح بصفة مكثفة لمُقاومة الأمراض كيميائيّا وهو ما يُعتبر مُكلفا من الناحية المادية. وعلاوة على ذلك فقد وقع في الفترة الاخيرة إتلاف كميات كبيرة من البذور نتيجة سوء التخزين.
وعليه فقد بات من المُؤكّد إسناد مُنتجي البذور الوطنية وتحفيزهم مادّيا وتأطيرهم فنّيا والتدخّل بسنّ قوانين تمنع تهريب بذورنا ونسترجع ما وقع سرقته واستعماله خارج الوطن لأغراض علميّة، كما أكّد ذلك المدير العام للبنك الوطني للجينات (البذور) الذي بدأ باسترجاع ما يُقارب 6000 صنف من الحبوب من جملة ما يُقارب 11000 صنف. ومن شأن هذا المجهود الوطني الصادق أن يساهم في مُقاومة توريد البذور ذلك أننا نستورد ما يناهز 65 بالمائة من حاجياتنا من الحبوب مما يهدد أمننا الغذائي للخطر من ثمة سيادتنا الوطنية.