
بقلم: الحبيب السماوي
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 7 جوان 2021
“…. يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميزة المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. ..” هذا ما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية كامب دافيد سنة 1979 بين النظام المصري والكيان الصهيوني مفتتحة بذلك مسلسل التطبيع الرسمي العربي العلني الهادف إلى فك العزلة عن الكيان الغاشم وتحويله من عدو إلى صديق. واصطف على نفس الخط النظام الأردني بإمضائه لاتفاقية وادي عربة سنة 1994. وقد سبق ذلك بسنة إمضاء اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني بإشراف أمريكي. أما في الفترة الأخيرة فقد انضمت البحرين والإمارات والسودان والمغرب إلى موجة التطبيع الرسمي خضوعا لفصول المؤامرة الأمريكية على المنطقة العربية من الربيع العبري إلى صفقة القرن.
وقد جوبهت اتفاقيات التطبيع الرسمي بحملة مقاطعة شعبية قبل أن يجف حبرها سواء في مصر أو في الأردن أو في غيرها من الأقطار وبان فشل اتفاقية أوسلو وأسقط الشعب اللبناني اتفاقية ماي 1983 بعد سنة من إمضائها وما زالت اتفاقيات التطبيع الأخيرة تتعثر وتواجه بالرفض الشعبي من ذلك أن ممثل الكيان الصهيوني في الرباط لم يتمكن إلى اليوم من الحصول على مقر لبعثته وهو نفس السيناريو الذي كان حصل في القاهرة وجسده بإتقان فيلم ” السفارة في العمارة”. ثم جاءت ملحمة سيف القدس لتوجه ضربة قاصمة لكل مشاريع التطبيع ولتعيد خيار الكفاح المسلح أداة رئيسية في التعامل مع الكيان المحتل مما أدخل ارتباكا على الأطراف التي عرفت بوقوفها ضد المطالبة بتجريم التطبيع فبدأت في البحث عن مبررات من قبيل غياب قوانين تجرم التطبيع في أقطار عربية أخرى.
لكن العودة إلى التاريخ تفيد أن تجريم التطبيع بند راسخ في التشريع العربيمنذ أكثر من خمس وسبعين سنة. فقد سن البرلمان اللبناني سنة 1955 ومن بعده السوري سنة 1963 قوانين مناهضة للتطبيع. فالقانون السوري يحظر على “كل شخص… أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقًا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل أيا كانت طبيعته“. وفي العراق نص قانون العقوبات الصادر سنة 1969 على أنه “يعاقَب بالإعدام كل من حبّذ أو روج مبادئ صهيونية..، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديًا أو أدبيًا أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها“. أما في مصر فإن تعريف المواطنة كرس مناهضة التطبيع إذ حدد قانون 1975 بشأن الجنسية المصرية من هو المواطن المصري ويستبعد المصريين الذين يعتنقون “الصهيونية”. وفي الجزائر تم في شهر جانفي من هذه السنة تقديم مشروع قانون لتجريم التطبيع لرئاسة البرلمان حيث نص على أنه ““يمنع الاتصال أو إقامة أي علاقات أو فتح مكاتب تمثيل من أي نوع وعلى أي مستوى مع الكيان الصهيوني بطرق مباشرة أو غير مباشرة” كما “يمنع السفر من وإلى الكيان الصهيوني، كما يمنع دخول أو استقبال حاملي جنسية الكيان الصهيوني في الجزائر أو في مقرات البعثات الدبلوماسية التابعة لها“. وفي سبتمبر 2020 تمت دعوة البرلمان الكويتي إلى إقرار قانون أكثر صرامة يجرم التطبيع بعد حملة الحصار والابتزاز التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية تزامنا مع إمضاء اتفاقيتي التطبيع مع البحرين والإمارات علما وأن أمير الكويت كان أعلن سنة 1967 أن بلاده ” في حالة حرب ضد العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة” ثم وقع تنقيح القانون سنة 2018 لحظر الاتصال بين الكويتيين والصهاينة عبر الإنترنت.
أما في تونس فقد تمكنت الأحزاب السياسية الحاكمة في السنوات الأخيرة وفي مقدمتها حركة النهضة من تعطيل تجريم التطبيع في دستور 2014 ثم حالت دون تمرير مشاريع قوانين في أكثر من مناسبة. أما اليوم وبعد عودة المطالبة بسن قانون لتجربم التطبيع الذي برز بفضل زلزال ” سيف القدس” فقد طلع علينا بعض قادتها ليدعي أنه لا وجود لقوانين تجرم التطبيع في بلدان عربية أخرى وهو ما تفنده المعطيات التاريخية المذكورة أعلاه. لذلك وجب الحذر من محاولة الالتفاف على شعار ” الشعب يريد تجريم التطبيع” أو تمييعه والتمويه عنه بعرقلة المصادقة على القانون المجرم له وممارسة المزايدة والنفاق بشأن القضية الفلسطينية بالمشاركة في المسيرات المؤيدة لها أو بالتقاط صور مع بعض قادتها.