بقلم الحبيب السماوي – الشروق : 01 جــوان 2022
مرة أخرى أفعى حاقدة تبث سمومها الاستعمارية صوب بلادنا وهي ما يسمى بلجنة البندقية التي أصدرت يوم 27 ماي 2022 بطلب من مفوضية الاتحاد الأوروبي بتونس تقريرا حول مدى تطابق قرارات الرئيس قيس سعيّد بخصوص تنظيم الاستفتاء وتنقيح القانون المحدث لهيئة الانتخابات مع الدستور ومع الإطار التشريعي مبدية تحفظاتها وطارحة مقترحات بديلة. ومن أهم تحفظاتها اعتبارها المرسوم المنقح للقانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات غير متطابق مع الدستور وكذلك الأمر 117 داعية إلى إلغائه وإلى تنقيح القانون الانتخابي تحت إشراف الهيئة السابقة للانتخابات. ووصل بها الأمر إلى الدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية قبل إجراء الاستفتاء أو تأجيل موعد الاستفتاء والتمديد قدر الإمكان في آجال إعداد التغييرات التي سيتمّ ادخالها على الدستور. وهكذا تجاوزت هذه اللجنة مهمة الاستشارة إلى تقديم خارطة طريق بديلة متدخلة بذلك بصفة سافرة ووقحة في شأننا الداخلي.
ويبدو أن لجنة البندقية وهي هيئة تابعة للاتحاد الأوروبي وتطلق عليها هذه التسمية نسبة إلى مدينة البندقية بإيطاليا حيث تعقد اجتماعاتها تعمدت غض نظرها عن التطورات السياسية التي عرفتها تونس يوم 25 جويلية استجابة لمطالب الشعب لتصحيح المسار بعد أن أصيب مجلس نواب الشعب بالشلل التام وأصبح يمثل حجر عثرة أمام مستقبل البلاد وأمنها. وقد كشفت تجربة السنوات الأخيرة سلبيات دستور 2014 الذي كانت لجنة البندقية اعتبرته نموذجا يقتدى به. وتبين أيضا أن اللجنة العليا المستقلة للانتخابات لم تكن مستقلة ولم تطبق مبادئ الديمقراطية لاسيما تسترها على الأحزاب السياسية التي تحصلت على تمويلات أجنبية في الانتخابات مثلما كشفتها تقارير محكمة المحاسبات. كما أن ظروف تعيينها من قبل المجلس النيابي السابق مشبوهة وتمت في إطار توافق بين الكتل البرلمانية المسيطرة على البرلمان. وختمت اللجنة توصياتها بإصرارها على ضرورة مشاركة القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني في صياغة الدستور الجديد وقانون الانتخابات. ويبدو هذا الطرح في ظاهره تطبيقا للمبادئ الديمقراطية لكنه يهدف إلى إعادة منظومة 24 جويلية وفي مقدمتها حركة النهضة التي أجرمت في حق الشعب التونسي وحرمته من تحقيق تطلعاته في العيش بكرامة وتدل على ذلك العديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وهي نتائج لم تكن صدفة بل نتيجة مسار سياسي أعرج ونظام انتخابي على القياس.
وفي ظل هذا التدخل السافر في الشأن الداخلي لا يتورع البعض عن الترويج لهذا التقرير والافتخار به والمطالبة بتطبيقه رغم أنه من الناحية الشكلية ليس سوى رأي استشاري حتى لدى من طلبه بينما يرفضون أن تكون الهيئة التي أعلن عنها رئيس الدولة ورمز سيادتها هيئة استشارية. وقد جاء رد رئيس الجمهورية مشبعا بالوطنية رافضا أن تكون تونس مزرعة أو بستانا لدى هؤلاء الذين عاد إليهم الحنين إلى الفترة الاستعمارية. ولم يتردد في الإعلان عن طرد أعوان اللجنة والدعوة إلى الانسحاب من عضويتها علما أن انضمام تونس لها كان إثر سنة 2011 في إطار مستنقع التفويت في السيادة الوطنية الذي دفعت الترويكا البلاد نحوه وواصلته بقية الحكومات بتعلة الديمقراطية. والمعلوم أن للاتحاد الأوروبي وللغرب عموما ترسانة من الهيئات لخدمة مصالحه ولا تهمه ديموقراطية أو حقوق انسان فنراه يدعم الإرهاب في سوريا وليبيا ويغض الطرف على الانتهاكات الصهيونية اليومية لأبسط حقوق الانسان الفلسطيني ثم ينتصب قاضيا ليُصنفنا ديمقراطيين أو دكتاتوريين.
إن الرد على تقرير لجنة البندقية وعلى بقية أشكال التدخل في شؤوننا الداخلية ليس من مهمة رئيس الدولة وحده بل إنه مطروح على كل القوى الوطنية وذلك بانخراطها في توفير ظروف نجاح الاستفتاء والمشاركة في الحوار الوطني مهما كانت حدوده. وستكون للشعب كلمته في نهاية السنة ليفرز مجلسا نيابيا يصدر قوانين تحفظ كرامة التونسيين وتحقق تطلعاتهم وفاء لدماء الشهداء وضمانا لحقوق الأجيال دون أي تدخل أجنبي في شؤوننا فأهل تونس أدرى بشعابها.