
تضمّن قانون المالية لسنة 2022 فصلا يتعلق بفتح حساب خاص في الخزينة أطلق عليه اسم “حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي”. ويرمي هذا الحساب إلى إضفاء الشفافية على موارد المساهمة الاجتماعية التضامنية ونفقاتها التي تم إقرارها بمقتضى قانون المالية لسنة 2018 وكذلك الضريبة على الأرباح الموجهة للمساهمة الاجتماعية التضامنية التي وقعت إضافتها بمقتضى قانون المالية لسنة 2020 وذلك في إطار البحث على موارد جديدة لتمويل الصناديق الاجتماعية بعد أن أصبح من غير الممكن مواصلة الاعتماد على المساهمات الاجتماعية.
وقد سبق أن قدمتُ اقتراحا في نفس الاتجاه في مقال تحت عنوان ” تنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي” نشرتُه على صفحات هذه الجريدة بتاريخ 26 نوفمبر 2021. ومن شأن إحداث حساب خاص بتمويل الضمان الاجتماعي أن يساهم في تجاوز الإشكاليات التي طُرحت منذ بداية استخلاص المساهمة الاجتماعية التضامنية وخاصة التكتم على الحجم الحقيقي لمبالغها. فقد رفضت وزارة المالية أكثر من مرة الإفصاح عن مواردها مما اضطرّ الاتحاد العام التونسي للشغل إلى اللجوء إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة. واتضح عند الحصول عليها أن مبالغ الموارد المصرح بها دون التوقعات بكثير حيث لم تتجاوز 225 م د سنة 2018 و431 م د سنة 2019 و492 م د سنة 2020.
أما فيما يخص النفقات فتبين تحويلها كلها إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بينما لم ينل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نصيبه منها مما فاقم من عجزه الذي قفز من 667 م د سنة 2019 إلى ما يناهز 1100 م د سنة 2020. وقد دفعت هذه الطريقة الآحادية في التصرف وغير المتطابقة مع القانون المحدث للمساهمة الاجتماعية التضامنية الشريكين الاجتماعيين الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إلى التهديد بالمطالبة بإلغائها إن لم يتم اعتماد الشفافية في التصرف فيها مقترحيْن إحداث صندوق بالخزينة خاص بها تحت إشراف وزير الشؤون الاجتماعية.
واليوم وبعد إحداث الحساب الخاص بتنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي فإن الخطوة الموالية تتمثل في ضبط معايير توزيع عائدات “حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي” على صناديق الضمان الاجتماعي. ولتجنب تكرر الأخطاء السابقة لا بد من اعتماد التشاور مع الشريكين الاجتماعيين في الموضوع ذلك أن القانون المؤسس للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي ينص على وجوبية استشارته في مشاريع النصوص القانونية ذات العلاقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية ومن بينها الحماية الاجتماعية.
كما سبق أن التزمت الحكومة سنة 2018 عند الاتفاق مع الشريكين الاجتماعيين على إقرار المساهمة الاجتماعية التضامنية على إحداث هذا الحساب غير أن وزارة المالية تعمّدت الخلط بإدراج مداخيل المساهمة ضمن المداخيل العامة للجباية. ويمكن وفي مرحلة أولى توجيه النفقات حسب مصادرها أي حسب كل صندوق يتبع له الأشخاص والشركات والمؤسسات الخاضعون.
أما الخطوة الموالية فتتمثل في التقدم بصفة تشاركية في مجهود تنويع مصادر التمويل مثلما أكده مرسوم قانون المالية لسنة 2022 بتنصيصه على إمكانية توظيف موارد أخرى لفائدة هذا الحساب على أن تكون مصحوبة بإصلاح المنظومة الجبائية ومقاومة التهرب الجبائي لضمان أكبر قدر من العدالة.
ومن المجدي القيام بحملة تحسيسية حول هذا الموضوع تلافيا لسوء الفهم الذي حصل عند إقرار المساهمة الاجتماعية التضامنية حتى تعي كل الأطراف المعنية الصعوبات المالية التي تواجه منظومة الضمان الاجتماعي وخاصة أنظمة الجرايات وما ينتظرها مستقبلا من تحديات بالنظر إلى تأثيرات جائحة الكوفيد 19 وانعكاسات التحولات المناخية وغيرها على منظومة الحماية الاجتماعية عموما.
د. بدر السماوي – الشروق – 07 جانفي 2022 – “نافذة على الوطن”