
يتواصل عجز أنظمة الضمان الاجتماعي سواء في القطاع العمومي أو في القطاع الخاص. وتعود أسباب هذا العجز إلى الخيارات السياسية والاقتصادية التي تم اتباعها منذ عدة عقود بداية من إقرار برنامج الاصلاح الهيكلي سنة 1986 وما انجر عنه من تفويت للمؤسسات العمومية وطرد العمال والإحالة على التقاعد المبكر مرورا باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995. فقد تراجعت قدرة الاقتصاد الوطني على إحداث مواطن شغل جديدة وتفشت البطالة وظهرت أشكال جديدة من التشغيل الهش وتوسعت دائرة الاقتصاد الموازي إلى حد أصبح يشغل نسبة هامة من اليد العاملة النشيطة. وقد تفاقمت وضعية أنظمة الضمان الاجتماعي خلال عشرية الخراب وخاصة منها نظام الجرايات الذي يمثل أكثر من 90 بالمائة من جملة النفقات.
فقد ارتفع عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية من 83 م د سلبي سنة 2010 إلى 604 م د سلبي سنة 2020 أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فانتقل من نتيجة إيجابية بلغت 7 م د إلى نتيجة سلبية وصلت إلى 1071 م د. ولمواجهة هذا العجز التجأت الحكومات المتعاقبة إلى حلول وقتية تمثلت أساسا في الترفيع في المساهمات والتأخير في سن الإحالة على التقاعد. ولئن مكنت هذه الإجراءات من مواصلة ايفاء الصناديق الاجتماعية بتعهداتها تجاه منظوريها إلى حد ما إلا أن أفقها ظل محدودا باعتبار أن عجز أنظمة الضمان الاجتماعي يرتبط أساسا بالأسباب الهيكلية المشار إليها أعلاه.
غير أنه يرتبط أيضا بمواصلة اعتماد هذه الأنظمة على طريقة التمويل عبر المساهمات الاجتماعية التي تفطنت أغلب البلدان إلى سلبيات الاقتصار عليها في تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي فاتجهت إلى تنويع هذه المصادر بإدخال طريقة التمويل عن طريق الضرائب. وتؤدي طريقة الاعتماد على الاشتراكات في التمويل أي على نسبة من الأجور إلى أن المؤجرين الذين يشغلون عددا كبيرا من الأجراء يساهمون بمبالغ أرفع من المؤجرين الذين يعتمدون في عملهم بصفة رئيسية على التكنولوجيا. وهكذا لا يؤخذ حجم المعاملات أو الأرباح بعين الاعتبار في احتساب مساهمات الضمان الاجتماعي. أما الاعتماد على الضرائب فمن مزاياه تجنب التأثير السلبي على التشغيل وعلى تنافسية المؤسسة وانخراط جميع الأطراف في تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي ليس فقط المؤسسات الاقتصادية والأفراد بل كذلك الدولة وكل من له دخل بما في ذلك الأرباح أو عائدات التوظيف المالي أو عائدات الاستثمار العقاري.
وفي هذا الإطار إحداث المساهمة الاجتماعية التضامنية بداية من غرة جانفي 2018 وذلك ضمن العقد الاجتماعي وبموافقة كل الشركاء الاجتماعيين فكانت تجربة أولى في تنويع مصادر تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي. غير أن الظروف التي رافقت إحداثها كانت مشحونة بانخرام فظيع على المستوى السياسي بسبب منظومة الحكم التي تسببت في انهيار كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. يضاف إلى ذلك ضعف التعريف بأهدافها ونقص الشفافية في الكشف عن حجم مداخيلها وطريقة توزيعها على الصناديق الاجتماعية. ورغم ذلك فقد ساهمت هذه الضريبة في التقليص نسبيا من عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بعد أن حصل منها على عدة مبالغ منذ إحداثها كان آخرها 460 م د سنة 2020 على أمل أن ينتقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنصيبه منها.
ويبقى الحل الجذري لإخراج أنظمة الضمان الاجتماعي من العجز المالي الفادح والمتواصل الذي تعيش على وقعه منذ سنوات هو تحسين نسبة النمو الاقتصادي. على أنه من المفيد أيضا البحث عن مصادر أخرى للتمويل مثل الأداءات على التبغ أو على المشروبات الكحولية وإضفاء مزيد من الشفافية على مداخيل المساهمة الاجتماعية التضامنية وأبواب إنفاقها وإحداث صندوق خاص بالخزينة يطلق عليه ” صندوق المساهمة الاجتماعية التضامنية ” يضمن توجيهها وتوجيه ما قد يتم إضافته من مصادر أخرى إلى الصناديق الاجتماعية دون سواها مثلما نص على ذلك القانون المحدث لها.
صدر بجريدة الشروق بتاريخ 26 نوفمبر 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”
بقلم د. بدر السماوي