يتواصل مسلسل التسول على أعتاب صندوق النقد الدولي من قبل الحكومة التونسية ويتواصل معه التسويق السياسي للتداين وحتميته بل وتقديمه في شكل انتصار. فقد توجه خلال شهر ماي وفد تونسي يضم وزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار ومحافظ البنك المركزي إلى واشنطن لطلب قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة أربعة مليار دولار لتمويل ميزانية سنة 2021. ورغم أن هذا القرض سيكون أعلى قرض تحصل عليه تونس منذ الاستقلال فإن وزير المالية علي الكعلي يفتخر بأن زيارته إلى صندوق النقد الدولي كانت زيارة تاريخية. كما بشرنا بأن تونس ستحظى بهبة من الولايات المتحدة تقدّر بـ 500 مليون دولار معتبرا أنّها سابقة في تاريخ تونس ويا لها من سابقة.
ويرى زميله مروان العباسي محافظ البنك المركزي أنه لا بديل عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي محذرا من أن لجوء الدولة التونسية إلى البنك المركزي التونسي لتمويل الميزانية سيجعل التضخم خارجا عن السيطرة ومهددا بأن البنك المركزي لن يفتح تمويل الميزانية من جديد بما يعني بصريح العبارة أن رهن البلاد إلى الخارج بالنسبة له عبر التداين غير المحدود أفضل من اعتمادها على طاقاتها الذاتية ومؤسساتها الوطنية. واعتبر أن تمويل البنك المركزي التونسي للميزانية سيقود إلى سيناريوهات كارثية وقعت في بعض البلدان مثل سورية ولبنان وفنزويلا.
والحقيقة أن الصعوبات الاقتصادية والمالية وارتفاع نسب التضخم في البلدان التي ذكرها العباسي لا تعود إلى أسباب فنية داخلية بل إلى تداعيات الحصار والعقوبات التي تسلطها عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وكذلك المؤسسات المالية الدولية بسبب مواقفها الوطنية ورفضها الخضوع للهيمنة الأمريكية. وهذا مع الاشارة إلى أن البلدان التي فصلت بنوكها المركزية عن دولتها ورهنت اقتصادها إلى الخارج ليست أفضل حالا.
لقد أظهرت حكومة المشيشي في تعاملها مع الشعب التونسي ومنظماته الوطنية الكثير من الخبث والرداءة حيث حاولت في البداية الإيهام بموافقة الاتحاد العام التونسي للشغل على مرافقتها إلى واشنطن كما أنها لم تفصح عن برنامج الإصلاحات التي قدمته لصندوق النقد الدولي.
إنه لمن العار أن تنقلب المفاهيم في عهد الربيع العبري المشؤوم فيصبح التداين انتصارا والتشبث بالسيادة الوطنية خطأ ويضحى الحكام الجدد يتسابقون في رهن البلاد وبيعها. فهل آن الأوان لإيقاف هذه المهازل؟