صوت الوطن -العدد (69) – 01 سبتمبر 2023
أصبح الخبز مشغلا شعبيا بل محل تذمر بسبب ندرته وتواصل ظاهرة الطوابير الطويلة أمام المخابز حتى بعد اتخاذ الدولة إجراءات مثل مقاومة الاحتكار وغيرها. ولا شك أن هناك عوامل خارجية وراء الأزمة من بينها ارتفاع أسعار الحبوب جراء الحرب الروسية الأكرانية ثم انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب مما أفرز اضطرابات في التزود في السوق العالمية. وقد أثر ذلك داخليا على التوازنات المالية العمومية نتيجة تجاوز التقديرات السنوية للميزانية وضعف رصيد بلادنا من العملة الصعبة علاوة على تقلص صابة الحبوب.
ورغم المجهودات التي قامت بها الدولة لتوفير هذه المادة ورغم حملات المراقبة التي تجندت لها وزارة التجارة مدعومة بوزارة الداخلية فإن العودة إلى النسق الطبيعي ما زال لم يتحقق بسبب وجود خلل هيكلي في التصرف في المنظومة نفسها. فإنتاج الخبز بكل أصنافه اختصاص حصري للمخابز المصنفة المنضوية تحت نظام الدعم والخاضع لمعايير قانونية مضبوطة. إلا أن بروز المخابز غير المصنّفة منذ سنة 2012 أدى إلى حالة من الفوضى تجسدت في قيام عصابات من محتكري بيع المواد المدعمة خارج المسالك القانونية لفائدة مؤسسات دخيلة لم تقتصر على الاستفادة من الدعم بل أصبحت تجني منها الأرباح وهو ما أضرّ بقوت الشعب وتسبب في هذه الأزمة. كما يعود السبب إلى غياب التنسيق بين الهياكل الحكومية المتدخلة فلئن يُؤمِّن ديوان الحبوب التابع لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تزويد المخابز والمطاحن بمادتي الفارينة والسميد فإن وزارتي التجارة والمالية تشرفان على إدارة سلسلة الدعم والإنتاج والتوزيع.
إن التحكم في منظومة صنع الخبز وبيعه في حاجة عاجلة إلى مراجعة أسلوب التصرف المزدوج عبر تركيز هيكل واحد واعتماد منظومة معلوماتية لمراقبة التزود بمادتي الفارينة والسميد والتقيد بالمعايير القانونية المتصلة باحترام الوزن والتسعيرة. أما على المستوى الاستراتيجي فلا بد من وضع خطة وطنية للرفع من الإنتاج الوطني للحبوب والحد من توريد هذه المادة الهامة على مستوى الأمن الغذائي. وعلى هذا الأساس نضمن الأمن الغذائي ونكرّس استقلالنا الاقتصادي ونضع حدا لكل تجاوزات العصابات المتاجرة بقوت الشعب.
وختاما فإن معركة الخبز رغم حّدتها وقساوتها وتأثيرها على قوت الشعب وحتى على مزاجه تعكس معركة أعمق وهي معركة السيادة الوطنية التي أصرّ الرئيس قيس سعيد على كسبها برفض تعليمات صندوق النقد الدولي الداعية إلى رفع الدعم والإصرار على البحث عن حلول بديلة حتى يبقى الخبز فعلا خطا أحمر لكل التونسيين.