حتّى تَجبُّ السنة الدراسية الجديدة سابقتها  

صوت الوطن العدد (69) – 01 سبتمبر 2023

ما انفك الأولياء يضَحون بالغالي والنفيس لتوفير مستلزمات أبنائهم في بداية السنة الدراسية رغم غلائها لكنهم يجدون أنفسهم أحيانا في وضع صعب جراء الخلاف الدوري بين الوزارة والهياكل النقابية الممثلة للمربين وتداعياته الوخيمة على نتائج التلاميذ وتحصيلهم المعرفي. وتنبع إثارة هذه التخوفات مما حصل خلال السنة المدرسية المنقضية من تجاذبات كان أبرز مساوئها توجه النقابات نحو أشكال احتجاج خاطئة كحجب الأعداد ومقاطعة مجالس الأقسام مما أدخل التلاميذ والأولياء في نفق مظلم. 

لقد حصل انطباع ليس فقط لدى التلامذة وأوليائهم بل لدى الرأي العام أن سوء إدارة الخلاف أضرّ بسمعة التعليم في تونس وبالتحصيل العلمي والمعرفي للتلميذ وبالعلاقة بين المربّي والولي وشتت ذهن التلميذ وشرّد تركيزه. وانضاف ذلك إلى ما أصاب المنظومة التربوية من تدمير ممنهج خلال عشرية الخراب بتفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي بمعدل 100 ألف تلميذ سنويا وجدوا أنفسهم على قارعة الضياع والحرقة والتهريب والانحراف والعنف. وقد دفعت مظاهر التوتر هذه وتدفع فئة أخرى من التلاميذ إلى الهجرة إلى المدارس الخاصة بما يعني ذلك من تكبد مصاريف باهظة.

ولئن بدت بعض مؤشرات هذه السنة إيجابية مثل إقرار مجانية السنة التحضيرية بالمرفق العمومي فإن بعض الأوضاع الإدارية مازالت غير مطمئنة من ذلك عدم رفع قرار عزل بقية المديرين وتواصل حجب أجور شهر جويلية لعدد من المعلمين وعدم فض مشكل الأساتذة النواب بالمدارس الابتدائية وعدم سدّ أربعة آلاف شغور في التعليم الثانوي بسبب التقاعد وفي المقابل تصريح بعض النقابيين بأن العودة ستكون متعثرة وغير عادية والتلويح قبل انطلاق السنة الدراسية بالقيام بتحركات بمساندة معلنة من قيادة الاتحاد. 

إن إنجاز عودة مدرسية ناجحة وإنجاز إصلاح تربوي تسبقه استشارة وطنية حول التربية والتعليم غيرُ ممكن دون وضع مصلحة الوطن والشعب والتلميذ في المقدمة وتحسين وضعية المربي الهشة جراء تدهور قدرته الشرائية وتراجع مكانته الاعتبارية التربوية والقيمية وفض المشاكل المتراكمة بالحوار. وإذا كان هدف الإصلاح إنقاذ المؤسسة التربوية العمومية فلا بدّ من التوصل إلى صيغ مشتركة بعيدة عن الحسابات الضيقة وعن التشنج والاحتقان حتّى تجُبّ السنة الدراسية الجديدة سابقتها وتسترجع المدرسة العمومية دورها التاريخي الموروث كمنارة للعلم والمعرفة والقيم الأصيلة.

حتّى تَجبُّ السنة الدراسية الجديدة سابقتها  
أنشره