حول التنقل الوظيفي للأعوان العموميين

بقلم د. بدر السماوي – الشروق :21 ماي 2022 – ” نافذة على الوطن”

تتواصل مساعي الدولة في الضغط على كتلة الأجور العمومية وتجسدت هذه المرة في اعتماد صيغة ” التنقل الوظيفي ” الذي يتمثل في تغيير مراكز عمل الأعوان العموميين لفائدة الهياكل التابعة للوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية مركزيا وجهويا سواء باعتماد النقلة أو الالحاق بطلب من العون العمومي أو إعادة التصنيف في غير مراكز العمل الأصلية. وترمي هذه الآلية التي جاء بها الأمر الرئاسي الصادر بتاريخ 18 افريل 2022 إلى سد الشغورات في الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية دون اللجوء الى انتدابات من شأنها أن تثقل كاهل الميزانية بأعباء جديدة.

ولا يمكن إبداء الرأي في مدى نجاح هذه الآلية دون تقييم التجارب المماثلة السابقة التي كان لها نفس الهدف. فقد اقتصر عدد المنتفعين بالإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية المقرر في جوان 2017 على خمسة آلاف عون. ولم تكن حصيلة المغادرة الاختيارية للأعوان العموميين المحدثة في جانفي 2018 أفضل حيث بلغ العدد 1600 فقط. ولعل أقرب مثال لآلية التنقل الوظيفي ” الحراك الوظيفي للأعوان العمومين لفائدة الجماعات المحلية” المحدث في ماي 2020 الذي رفضه أعوان الجماعات المحلية لما يتسبب فيه من سدّ الآفاق المهنية أمامهم ولتضمنه حوافز تخل بمبدأ المساواة مثل تمكين العون الذي ينتقل إلى العمل في جماعة محلية من امتيازات مالية هامة بما يتناقض مع الاتفاقيتين الدوليتين عدد 100 بشأن مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية وعدد 111 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة اللتين صادقت عليهما تونس.

وعلى غرار الإجراءات المذكورة أحدث قانون المالية لسنة 2022 برنامجا خصوصيا للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية، ورغم مرور خمسة أشهر على إقرار هذا الإجراء لم يصدر حتى اليوم الأمر الرئاسي الذي يضبط الفئات المعنية وإجراءات تطبيقه مما يقلص من حظوظ نجاحه. وسعى قانون المالية أيضا إلى الضغط على كتلة الأجور بمنح الأعوان العموميين عند بعثهم مؤسسات عطلة لمدة ثلاث سنوات. وإذ لا يمكن الحكم الآن على مدى إقبال الأعوان العموميين على هذه الآلية فإن الصعوبات الاقتصادية التي خلفتها جائحة الكوفيد 19 غير مشجعة على خوض هذه المغامرة فضلا على ما تخفيه الحرب الروسية في أكرانيا من تداعيات.

أما من ناحية مضمون الأمر الرئاسي الصادر الشهر الماضي فإن الحوافز التي نص عليها والمتمثلة في منحة جزافية يبلغ مقدارها ما يعادل أربعة مرتبات شهرية خام ومنحة أعباء تغيير مقر الإقامة يمكن أن تصل إلى 500 دينارا فلا يمكن أن تشجع العون على اتخاذ قرار مصيري بالنقلة من جهة إلى جهة أخرى قد يكون لها تأثير سلبي على مساره المهني وخاصة على حياته العائلية. وليس من البديهي أن يحظى العون عند انتقاله إلى مركز عمل آخر بالترحاب في ظل مناخ التنافس والطموح الذي تتميز به الهيكلة الهرمية للإدارة التونسية. ومن جهة أخرى استثنى الأمر الرئاسي المنحتين المشار إليهما أعلاه من الحجز بعنوان المساهمة في نظام التقاعد والتأمين على المرض ورأس المال عند الوفاة مما قد يؤثر سلبا على العون في بعض الحالات عند احتساب جراية تقاعده ويحرم الصناديق الاجتماعية من موارد مالية تساعدها على التخفيف من اختلال توازناتها المالية بينما أخضع الأمر الرئاسي المنحتين المذكورتين للضريبة على الدخل.

إنه من الأفضل القطع مع مثل هذه الآليات التي تسعى إلى إرضاء صندوق النقد الدولي بعد أن أثبتت التجربة فشلها وبالنظر إلى الرسالة السلبية التي تبلغ إلى المعطلين عن العمل من خلال الغلق النهائي للانتداب بل وجب العمل على تحسين وضعية المالية العمومية عبر الرفع من نسبة النمو الكفيل وحده بتوفير موارد مالية للدولة وإيجاد مواطن شغل في كل القطاعات الاقتصادية.

حول التنقل الوظيفي للأعوان العموميين
أنشره
الموسومة على: