حول المؤتمر الاستثنائي للاتحاد

بقلم د. بدر السماوي

صدر بجريدة الشروق بتاريخ 2 جويلية 2021 ضمن الركن الأسبوعي ” نافذة على الوطن”

يتساءل البعض عن أسباب دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى عقد مؤتمر استثنائي وعن مدى الحاجة إلى تنقيح بعض فصول قانونه الأساسي في هذا التوقيت بالذات. ويطعن البعض الآخر في مشروعية المؤتمر من الناحية القانونية ويشكك في النوايا الحقيقية للداعين له. والحقيقة أن جوهر المسألة ليس قانونيا أو إجرائيا بقدر ما هو اختلاف في تشخيص التحديات الخطيرة التي تواجهها البلاد والدور الوطني والاجتماعي المطروح على الاتحاد القيام به.

لقد تعاظم دور هذه المنظمة بنسبة كبيرة خلال العشرية الأخيرة بسبب تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي تزامنا مع فشل الأحزاب السياسية التي أمسكت بالسلطة في تحقيق أي إنجاز بل في المحافظة على المؤشرات التي كانت موجودة إلى حدود سنة 2010. فعلى المستوى السياسي تفككت هياكل الدولة وظهرت الاغتيالات السياسية وحاول الإرهاب استنزاف المؤسستين الأمنية والعسكرية. وتراجعت على المستوى الاقتصادي كل المؤشرات فانخفضت نسبة النمو إلى الصفر وتفاقم عجز الميزان التجاري وعادت بقوة مشاريع التفويت في المؤسسات العمومية. وانعكست هذه المؤشرات على المستوى الاجتماعي فاتسعت دائرة الفقر وتفاقمت نسب البطالة وتدهورت المقدرة الشرائية وارتفعت أفواج الفارين إلى الخارج سواء بصفة سرية أو علنية واستفحلت ظاهرة الانقطاع المدرسي والانتحار وتعاطي المخدرات. وكان التبرير الوحيد الذي تتذرع به الأحزاب التي حكمت وفي مقدمتها حركة النهضة حرية التعبير والديمقراطية وهي مكاسب لا معنى لها في ظل حرمان الشعب من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية الدنيا.

ورغم هذه الظروف الصعبة تمكن الاتحاد من تحقيق مكاسب عديدة للشغالين فنجح في أكثر من مرة في الحصول على زيادات في الأجور في القطاعين العمومي والخاص وفي ضمان صرف جرايات المتقاعدين وتدخل لفائدة فئات غير منخرطة في الاتحاد لدعم مطالبها. وفي مستوى دوره الوطني رفض إخضاع البلاد لإملاءات صناديق المال الدولية والارتهان لها رافعا شعار ” السيادة قبل الزيادة” ولم يتوقف عن دعوة أجنحة السلطة المتصارعة إلى الكف عن المهاترات والانصراف إلى حل مشاكل الشعب. أما على المستوى العربي فقد ثبت على مواقفه الوطنية وخاصة قضية فلسطين وأعلن رفضه لصفقة القرن وندد باتفاقيات التطبيع العربية وكان مترصدا لأية محاولة لتكريس التطبيع في تونس متمسكا بضرورة سن قانون لتجريمه.

ونتيجة هذه المواقف الحاسمة والجريئة تعرض الاتحاد العام التونسي للشغل عديد المرات إلى اعتداءات واستهداف من عدة أطراف فقد استنكر بعضهم حقه في التعبير عن رفضه للخيارات التي دمرت البلاد وشنت ما يسمى بروابط حماية الثورة اعتداء على مقره في 4 ديسمبر 2012 قبيل إحياء ذكرى استشهاد الزعيم فرحات حشاد ولم ينفك ائتلاف الإرهاب يتهجم على النقابيين في مختلف المنابر ويستفزهم ويلفق التهم ضدهم. ومن ناحية أخرى وجد الاتحاد نفسه مكبلا بقانون أساسي صيغت بعض فصوله مثل الفصل 20 في ظروف مغايرة مما أدى تدريجيا إلى إفراغ هياكله من الخبرات والكفاءات. كما تسبب تنقيح فصول أخرى لاحقا في إضعاف المركزية مما ساهم في انفلات بعض القطاعات وتصادمها مع عموم الشعب والإضرار بسمعة الاتحاد.

في ظل هذه التحديات المتصاعدة يندرج طرح إعادة النظر في بعض فصول القانون الأساسي للاتحاد بما يعزز موقعه ويحصن دوره حتى لا يسقط فيما سقطت فيه بلادنا خلال العشرية الأخيرة من فتنة وتدمير للذات لهثا وراء ديمقراطية مغشوشة وقفت وراءها أطراف خارجية. وليس من الصدفة أن يتزعم الحملة الحالية ضد عقد المؤتمر الاستثنائي مسؤول نقابي هو في الآن نفسه رئيس جمعية مهتمة بالشأن التربوي مدعومة وممولة من مؤسسات الصهيوني سوروس.

حول المؤتمر الاستثنائي للاتحاد
أنشره