شعار ”سحقا للرجعية دساترة واخوانجية“ هل هو شعار صائب؟

على خلفية استعادة الدساترة لدورهم في المشهد السياسي الراهن يضع البعض ممن يدّعون التحليل الطبقي “الدساترة” و”الخوانجية” في نفس الخانة في انتهاك لكل الحقائق التاريخية ومعطيات واقع الصراع الراهن ليس في تونس وحسب بل وعلى المستوى العربي.

وإذ يشطب أصحاب هذه التحاليل “العلمية جدا” الدساترة من قائمة الوطنيين نسألهم:

أين ذهبت تضحيات فترة النضال الوطني ضد الاستعمار المباشر؟ هل تبخرت؟

ماذا عن شهداء الحركة الوطنية وعائلاتهم وعن المقاومين وأحفادهم وعن الزعماء الأفذاذ أمثال الحبيب ثامر وعلي البلهوان وصالح بن يوسف وفرحات حشاد والحبيب بورقيبة؟

من كان وراء حركة التحرر من الاستعمار الفرنسي في تونس؟..

من كان الحزب القائد لهذه الحركة؟.. ألم يكن الحزب الدستوري؟..هل انتهى الدور التاريخي للدساترة؟..

هل اقتصر وجود الوطنيين على “ليبيا وسوريا وقوى المقاومة” وانتفى وجود مثل هؤلاء الوطنيين في تونس والمغرب ومصر؟..

إن هذا التقدير للقوى يحيلنا إلى نظرة دحضها الواقع ودارت حولها صراعات فكرية منذ بداية سبعينات القرن الماضي يُفترض أنها حُسمت ولا يمكن أن تطرح للمراجعة لمن تبنى الطرح الوطني الديمقراطي. والمقصود هنا هو النظرة التي تنكر وجود بورجوازية وطنية في مجتمعنا العربي لم تستنفذ إمكانياتها الثورية في تغيير المجتمع ولم تتحول إلى الصف المعادي للثورة مثلما حصل في المجتمعات الرأسمالية الغربية. وتصف هذه النظرة دولة الاستقلال بـ“دولة الاستعمار الجديد” وتعتبر قاعدتها الاجتماعية “البورجوازية الكمبرادورية” (أي العميلة للاستعمار). وتجد هذه النظرة انعكاسا لها اليوم في الموقف من الدساترة يجسده شعار “سحقا للرجعية دساترة وخوانجية” وشعارات أخرى مماثلة تنكر على الدساترة وطنيتهم وتسوّي بينهم وبين الإخوان رأس حربة الربيع العربي وحاملي أجندة مخلة بسيادة الأوطان ومصالحها.

إن أي وطني شريف لا بد أن يقرّ بالحقائق التالية:

1- الدساترة هم من قادوا حركة التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي وبنوا دولة الاستقلال بكل إنجازاتها الوطنية.

2- إنّ حل التجمع الدستوري الديمقراطي بقرار اتخذه وزير الداخلية سيء الصيت فرحات الراجحي في فيفري 2011 والقرار القضائي بتصفية الحزب في 9 مارس 2012 وما صاحب ذلك من بث أجواء العداء للدساترة وملاحقتهم لم يكن القصد منه تجاوز الجوانب الخاطئة في ممارسة التجمع بل ضرب الدساترة كقوة وطنية واجتثاثهم والقضاء على التراث الذي يحملونه من مرحلة الكفاح ضد الاستعمار إلى مرحلة بناء الدولة على غرار ما وقع مع حزب البعث في العراق ومع اللجان الثورية في ليبيا وما أرادوا فعله مع القيادة السورية.. وهذا هو جوهر “الربيع العربي” الذي عمل على ضرب القوى الوطنية العربية من أحزاب وجيوش وطنية (مصر، سوريا، ليبيا، اليمن..).

3- كان حل التجمع الخطوة الضرورية بالنسبة لمنفذي خطة “الربيع العربي” لتمكين الإخوان وتوابعهم من السيطرة على المشهد السياسي في القطر وإبعاده عن أية أجندة لا تنساق مع مخططاتهم المنتهكة للسيادة الوطنية.

4- إنّ إعادة الدساترة بناء أنفسهم ببروز الحركة الدستورية في 2014 ثم في “مؤتمر الثبات” سنة 2016 الذي أعلن عن تأسيس الحزب الدستوري الحر، عزز الصف الوطني الذي يعمل على إزاحة الإخوان وتصفية مخلفات منظومة الدمار لإنقاذ البلاد ووضعها على سكة المشروع الوطني.

5- خلافا لما قد يتراءى للبعض فإن الدساترة لم يعودوا للمشهد كنسخة مطابقة للأصل للتجمع لأن الصراع منذ 2011 فعل فعله بسبب الفرز الذي حدث في صلبهم، بين من صمدوا وتمسكوا وبقوا أوفياء لوطنيتهم وبين من سقطوا ضعفا أو استسلاما أمام التهديدات أو خضوعا للمغريات وللاستيعاب.

6- من المستبعد توقـُّع أننا سائرون إلى “استقطاب ثنائي دستوري حر/ نهضة” على غرار “نداء/نهضة” وأنه لا ضامن لعدم تكرار ما وقع مع الباجي من تحالف مع الإخوان وليس من المشروع التخوف من مصادرة الحريات لأن الحزب الدستوري الحر وعلى رأسه عبير موسي “برهن بمواقفه على حسم واضح وجريء وصادق مع جماعة الغنوشي وتوابعهم، ولأن تونس بعد 2011 ليست تونس ما قبله وأن مياها جرت لن تعود للوراء بسهولة”  (المقتطف الأخير من مقال للمؤرخ عميرة الصغير أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية بعنوان: “لا يمكن أن نسوّي بين الإخوان والدستوريين” (الشروق7 جويلية 2020) اختتمه بالجواب على سؤال “ما العمل إذا؟”: “أن يعي الوطنيون الحقيقيون .. بضرورة تكوين جبهة إنقاذ تجمع بين التونسيين الوطنيين المؤمنين بتونس الجمهورية، تونس التقدمية، تونس التي فيها دولة قوية وعادلة فعلا وليس خطابا.” مضيفا أن: “الحرب المفتوحة على الحزب الدستوري الحرّ لا تخدم إلا “الخوانجية” وإن “اليساريين” الذين “يطيّبون” للإخوان سوف يكونون أول ضحايا الإخوان إن أحكموا سيطرتهم نهائيا على الدولة”.

شعار ”سحقا للرجعية دساترة واخوانجية“ هل هو شعار صائب؟
أنشره
الموسومة على: