يواجه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي صعوبات للمحافظة على التوازنات المالية للأنظمة التي يديرها في غياب إجراءات من شأنها الحد من الفجوة التي تفصل بين الأعباء والموارد حتى يتمكن من الإيفاء بالتزاماته تجاه منظوريه. وقد بلغ عدد المنخرطين في الصندوق حتى اليوم أكثر من ثلاثة ملايين ما بين مباشرين ومنتفعين بجرايات يضاف إليهم أفراد عائلاتهم مما يبين حجم الخدمات التي يقدمها في المجال الاجتماعي وأهميتها.
كما أن الصندوق بصفته الهيكل المكلف بالتصرف في أنظمة الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص قد تأثر بصفة كبيرة بالظروف الاقتصادية المتدهورة خلال العشرية الأخيرة. فقد سجل الصندوق أول عجز له سنة 2011 بمبلغ 80 م د ثم تعمق العجز بصفة مستمرة إلى حد بلوغه 1100 م د سنة 2020 ومن المتوقع أن يرتفع إلى ما يناهز 2200 م د في نهاية هذه السنة أي ما يساوي الضعف في ظرف سنتين. ويفرض هذا الوضع الخطير ضرورة النظر في الأسباب التي أدت إليه وتقديم بعض الحلول من أجل تقليص العجز من ناحية واستخلاص الديون من ناحية أخرى.
ومن أهم الأسباب اتساع دائرة التهرب الاجتماعي مقابل التردد في استقطاب القطاع الموازي وتوسيع قاعدة المنخرطين وبقاء بعض النصوص القانونية المتعلقة بانخراط أصحاب الدخل غير القار في المنظومة الجبائية وفي منظومة الضمان الاجتماعي دون تفعيل وآخرها الفصل 42 من قانون المالية لسنة 2019 والأمر عدد 19 لسنة 2020. أما في مجال الاستخلاص فلم يرسم الصندوق استراتيجية واضحة وشفافة لمعالجة تراكم ديونه ولا بقوم بصفة مسبقة بتحديد القطاعات التي يتعين استهدافها بأعمال الاستخلاص والمراقبة وفقا لمنهجية علمية. كما تغيب المتابعة الدقيقة لوضعية المؤجرين في حالات عدم التصريح بالأجور وتكررها واكتفاء مصالح الصندوق بالتوظيف الحتمي للاشتراكات مما أدى إلى تراكم الديون بهذا العنوان. ولم يتم إلى حد الآن وضع إطار قانوني خاص بالتصريح عن بعد وإقرار إجباريته على غرار التصريح في المادة الجبائية.
كما لم تقع مراجعة آليات التصريح بالأجور لتصبح بصفة شهرية عوضا عن كل ثلاثية مثلما ورد في قانون 2007 ولو بصفة اختيارية مما قد يساهم في الحد من تراكم الديون. ولم يقم الصندوق بإحداث معلوم ولو رمزي عند إيداع المؤجرين للتصاريح التي لا تتضمن أجورا عند عدم تشغيل أجراء حتى يتمكن على الأقل من تغطية مصاريف طبعها وتسجيلها وحفظها. ومن ناحية أخرى ليس هناك آليات وإجراءات قانونية واضحة بالنسبة للاعتراض الإداري على نتائج المراقبة الحسابية أو الفنية مما أدى إلى تعدد القضايا المتعلقة بالاعتراض على بطاقات الإلزام وما قد ينجر عن ذلك من طول إجراءات البت فيها وتفويت الفرصة على الصندوق لاستخلاص ديونه بصفة رضائية.
أما النظام التكميلي للجرايات فحاله ليس أفضل من بقية أنظمة الضمان الاجتماعي القانونية حيث تتراجع باستمرار نسبة التغطية للأجراء الذين تفوق أجورهم ست مرات الأجر الأدنى المهني المضمون مما جعل نسبة تطور عدد المنتفعين أسرع من نسبة تطور عدد المساهمين. ولم يقم الصندوق رغم ذلك بحملة اتصالية للتعريف بمزايا هذا النظام ولم يبادر إلى مراجعة تراتيبه لتوسيع قاعدة المسجلين مثل تمكين المؤجر من تسجيل بعض العمال دون البقية أو تمكين الأجراء في القطاع الفلاحي المتطور من الانخراط في هذا النظام.
ولئن ساهمت جائحة الكوفيد 19 في استفحال هذا الوضع فإن أغلب الإشكاليات سابقة لها مما يتطلب الشروع في تداركها عبر مراجعة بعض القوانين وتفعيل البعض الآخر مع تشريك الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد العام التونسي للشغل بصفتهما يمثلان الممثليْن الرئيسييْن لممولي ميزانية الصندوق وتتحمل الدولة مجسّدة في وزارة الشؤون الاجتماعية المسؤولية في ظل الظروف السياسية الاستثنائية في إيجاد الحلول الكفيلة بإنقاذ الصندوق.
بقلم د. بدر السماوي – نافذة على الوطن – الشروق : 18 فيفري 2022