صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق: بين الهاجس المالي والهدف الاجتماعي

صدر بالرائد الرسمي في بداية هذا الشهر المرسوم عدد 9 لسنة 2022 الذي يسمح بطرح الغرامات الناتجة عن التأخير في خلاص مبالغ النفقة وجرايات الطلاق المثقلة على الطليق والتي يقوم صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق بدفعها إلى مستحقي النفقة أو الجراية أي المرأة المطلقة والأبناء. ونص المرسوم على أنه لا يمكن للمطلق المدين الانتفاع بطرح الغرامات إلا بعد خلاص أصل الدين والمصاريف التابعة له إما دفعة واحدة أو على أقساط على شرط أن يقدم مطلبه في ظرف ستة أشهر بداية من صدور المرسوم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتباره مكلفا بالتصرف في صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق.

وتتمثل أهمية المرسوم في التشجيع على استخلاص الديون المتراكمة على مدى سنوات بعد أن سجل صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق عجزا قدره 15 م د كأصل الدين فقط دون اعتبار غرامات التأخير التي أصبحت مبالغها تتجاوز أصل الدين بأكثر من الضعف. ويعتبر هذا المبلغ المتراكم منذ إحداث الصندوق مرتفعا نسبيا بالنظر إلى عدد مطالب التدخل التي تراوح معدلها في السنوات الأخيرة بحوالي 200 ملفا.

ورغم أن القانون الصادر سنة 1993 يفرض القيام بإجراءات استخلاص هذه الديون سواء منها الأصل أو غرامات التأخير بطرق جبرية إلا أن الواقع أفرز صعوبات في التنفيذ بسبب انتماء أغلب المدينين إلى الفئات الهشة التي ليس لديها ممتلكات تفي بخلاص الدين أو بسبب وفاة المدين أو وجوده خارج البلاد. وهنا يصطدم الهاجس المالي المتمثل في واجب الاستخلاص مع الهدف الاجتماعي الساعي إلى صيانة كرامة المرأة المطلقة وأبنائها وحمايتهم من مخاطر الحياة بما يساهم في وضع حد للمآسي الاجتماعية التي تخلفها قضايا إهمال العيال مثل الانقطاع عن التعليم أو التسول أو الجريمة أو الإدمان وغيرها.

وتعود أهمية طرح موضوع وضعية صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق في هذا الظرف بالذات إلى توقع ارتفاع عدد مطالب الانتفاع بتدخلاته بالنظر إلى زيادة نسق حالات الطلاق في السنوات القليلة الماضية. فقد أفادت احصائيات وزارة العدل إلى ارتفاع حالات الطلاق اليومية من 41 حالة طلاق يوميا سنة 2017 إلى 46 حالة طلاق يوميا سنة 2020. ومن المنتظر أن ترتفع حالات الطلاق خلال الأشهر القادمة بسبب تداعيات تصاعد منسوب العنف الذي سُلّط على النساء داخل المنازل خلال مختلف فترات جائحة الكوفيد سواء بسبب الحجر الصحي الشامل حيث تضاعفت الاشعارات التي تلقتها المؤسسات المختصة خمس مرات مقارنة بالمعدلات العادية أو بسبب تدهور الظروف المعاشية للأسر نتيجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي عموما مما سيرفع من حالات الطلاق ومن ثمة من حالات العجز عن دفع النفقة وجراية الطلاق واللجوء إلى تدخلات الصندوق.

ولئن يتسم الإجراء المتعلق بالإعفاء من غرامات التأخير والذي تم لأول مرة منذ إحداث الصندوق بصبغة اجتماعية هامة، إلا أن اعتماد الصندوق على نفس طرق استخلاص بقية الديون في حاجة إلى المراجعة حتى لا ينسف الهاجس المالي الهدف الاجتماعي. ومن بين المقترحات التوقف عن تحميل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجز صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق بعد أن تكفل به للفترة الممتدة من سنة 1994 إلى غاية سنة 2009. وعلى الدولة التكفل بهذا العجز الناتج عن الفارق بين الأموال التي وقع دفعها للمطلقات وأبنائهن والأموال التي تم استخلاصها. ولا يعتبر هذا الاقتراح تشجيعا للمدينين على التلدد بل دعوة للتفريق بين المتلددين القادرين على خلاص ديونهم والمتلددين الذين لا يرجى أي أمل في تسوية وضعيتهم حتى إن بعضهم يعتبر السجن أخف الأضرار. ومن المستعجل أيضا تمكين المرأة المطلقة غير المنتفعة بتغطية صحية بعنوان أحد أنظمة الضمان الاجتماعي من الانتفاع بخدمات العلاج سواء بالعلاج المجاني أو بالتعريفة المنخفضة بالهياكل الصحية العمومية وذلك حسب كل وضعية اجتماعية.

بقلم د. بدر السماوي- الشروق : 25 فيفري 2022 – ” نافذة على الوطن”

صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق: بين الهاجس المالي والهدف الاجتماعي
أنشره
الموسومة على: