معركة تحرير وطني لا تراجع عنها ولا حياد فيها
وأخيرا مرت المحاسبة إلى السرعة القصوى، فشهدت البلاد حملة مكثفة لمحاصرة المحتكرين والمضاربين ومقاومة الفساد وامتدت إلى فتح ملفات المتورطين في الاغتيالات السياسية والمتسترين على ملفات القضايا الإرهابية والمسؤولين على تكوين شبكات التسفير لتصل إلى القبض على متهمين بالتآمر على أمن الدولة. ولئن تعددت صفات الموقوفين بين رجال أعمال وقضاة ومحامين وصحافيين فإن القاسم المشترك بينهم كان الاستقواء في إطار وفاق لتخريب الوطن مما أزعج هذا الأجنبي فتحرك فكاد المريب أن يقول خذوني. فقد عبّرت الخارجية الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي عن قلقهما من سلسلة الإيقافات وصدر موقف مماثل عن وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية بما ينطبق عليه قول الرئيس قيس سعيد نحن قلقون من قلقهم.
فبقدر ما تنفّس الشعب الصّعداء واكتشف الأطراف التي تحاول الإبقاء على وضعه وأدرك ما كان يلمِّح إليه الرئيس منذ فترة طويلة بطريقة غير مباشرة ولم يفصح عنه رغم خطورته احتراما لمسار القضاء واستقلاليته ومنظومة الحقوق ولاسيما الحق في التقاضي، فإن بعض الأطراف دخلت في حملة هستيرية ضد السلطة الحاكمة وضد المؤسسة الأمنية والقضائية كاشفة على تورطها في نفس المؤامرة. ومن بين ما تعللت به في تهجماتها عدم احترام الإجراءات عند الإيقاف في حين أن الأمر يتعلق بالتآمر على أمن الدولة وليس مجرد ارتكاب مخالفة مرورية أو بناء دون رخصة. كما حاولت الإيهام بأنها محاكمات رأي بينما تبيِّن المعطيات الأولية القيام بإخفاء مواد استهلاكية وأدوية بهدف تجويع الشعب ودفعه للانتفاض على السلطة بل شبهات تبييض أموال واتصالات مع أطراف خارجية كان لها دور سابق في التنكيل بتونس.
ووصل الأمر بالبعض ومن بينهم نقابة الصحفيين إلى عقد اجتماعات مع سفراء أجانب في خرق واضح للأعراف الدبلوماسية واضعين أنفسهم في نفس المقام مع الدولة. ولئن انخرطت بعض المنظمات الجماهيرية الأخرى مع الأسف في هذه الأجندات المشبوهة التي تستقوي بالأجنبي فإن عدة أصوات وطنية تصدت لهذا التوجه ومن بينها صحفيون قدَّموا استقالتهم من هذه النقابة.
إنها حقا معركة تحرير وطني لا تراجع عنها ولا حياد فيها مما يتطلب حشد كل الطاقات من أجل نجاحها وتحقيق أهدافها التي في مقدمتها تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للشعب.