جانفي 1984 – جانفي 2024: ما الذي تغـــيَّـــر؟
اقترن شهر جانفي من سنة 1984 في ذاكرتنا بانتفاضة الخبز التي اندلعت نتيجة رفع الدعم عن المواد الأساسية تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي. كما اقترن شهر جانفي بأحداث مماثلة وقعت خلال العشرية الماضية ومنها احتجاجات جانفي 2016 التي شملت عديد المناطق فأعلنت السلطات حظر التجول. وفي جانفي 2018 وبعد اعتماد زيادات جديدة في الضرائب وترفيع كبير في الأسعار انطلقت احتجاجات شعبية واسعة وشهد شهْر جانفي 2021 ردود فعل مماثلة.
أما هذه السنة ومنذ 25 جويلية 2021 فقد مرّ شهر جانفي بسلام رغم غلاء أسعار بعض المواد بل وفقدانها أحيانا. ويمكن تفسير تغيّر رد فعل الجماهير بانتفاء الأسباب التي كانت وراء تدهور الأوضاع المعيشية والمتمثلة في الارتهان للمؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. فقد أعلن رئيس الجمهورية أكثر من مرة أنه يرفض رفع الدعم والتفويت في المؤسسات العمومية، ولم تتضمن ميزانية الدولة لسنة 2024 رفعا في الضرائب أو تخليا عن دعم المواد الأساسية.
وفي المقابل وقع التقدم في تصفية ملفات اقتصادية مطموسة مثل البنك الفرنسي التونسي والشروع في استعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج وتنقيح مرسوم الصلح الجزائي بما يضمن توفير عائدات إضافية وخلاص كافة ديون سنة 2023. وبعد طي صفحة صندوق النقد الدولي شرعت تونس في تنويع علاقاتها الخارجية مع المحافظة على سيادتها الوطنية. كما تم إقرار عفو جبائي يشمل الأفراد والمؤسسات وتفعيل الزيادات المقررة في الأجور في القطاعات الثلاثة وبداية تطبيق اتفاق الأساتذة والمعلمين النواب ومن آخر القرارات تحسين ظروف المضمونين الاجتماعيين رغم ما تمر به الصناديق الاجتماعية من صعوبات مالية بالترفيع في سقف الخدمات العلاجية والترفيع في القروض الاجتماعية ومراجعة تسعيرة 6 عمولات بنكية لحرفاء البنوك الذين دخلهم الشهري دون 1500 دينارا.
إن ما تغيّر بين جانفي الماضي وجانفي الحاضر هو ما كان رئيس الجمهورية واعيا شديد الوعي به عندما رفض إملاءات صندوق النقد الدولي قائلا “السلم الأهلي ليست باللعبة أو الأمر الهين” مذكّرا بأحداث جانفي 1984.